القمص أنجيلوس جرجس
كانت أحداث العصور الوسطى لها دور كبير في التغيير الكبير الذي حدث في أوروبا وخاصة بعد موجات الطاعون المسمى الموت الأسود عام 1348م حيث أدى إلى انخفاض كبير في أعداد سكان أوروبا. ففي عام 1377م فقدت أوروبا نصف عدد السكان وأصبح هناك نقص كبير في العمال والفلاحين مما أدى إلى تغيير في التركيبة الاجتماعية؛ فوجد الفلاحين والعمال أنهم عنصر هام في المعادلة الاقتصادية وبدأوا في المطالبة بحقوق معيشية أكثر عدلاً ورفض النبلاء هذه التحركات حتى أن عام 1363م صدر قانون يحدد طعام وملابس كل طبقة اجتماعية ورفضت الطبقات الشعبية هذه القوانين فقامت ثورة عام 1381م اسمها ثورة الفلاحين.
وكانت لحرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا (1337- 1453م) التأثير المباشر على أوروبا، وأرهقت الحكومات الشعوب بالضرائب، وسادت الفوضى وانتشرت السرقات والنهب.
وانتهت العصور الوسطى بسقوط الإمبراطورية البيزنطية في أيدي العثمانيين عام 1453م وهذا أحدث زلزالاً كبيراً في أوروبا على مستوى سياسي واقتصادي وديني، وبدأت صراعات سياسية فعلى الجانب الشرقي من العثمانيين أصبحت موسكو قوة إقليمية في عهد إيفان الكبير فبدأ الروس يشعرون بأنهم إمبراطورية روما الثالثة.
فبدأت حركات شعبية وجماعات كثيرة للشعوب الثائرة للوقوف ضد الظلم والسلطة الغاشمة والتصرفات الإقطاعية وكانت موجهه ضد الدولة والكنيسة الكاثوليكية لما لها من دور في هذا الظلم المجتمعي فثار راهب ألماني اسمه مارتن لوثر على بابا روما ليون العاشر (1513-1521م) لأنه أصدر صكوك الغفران لأجل إصلاح كنيسة القديس بطرس.
وكان لوثر راعياً لكنيسة "فتنبرج" بولاية ساكسونيا بألمانيا فقام عام 1517م وعلق على باب الكنيسة خمسة وتسعون اعتراضاً على سياسة الكنيسة الكاثوليكية والبابا. وانتشرت في كل ألمانيا ووصلت إلى بابا روما ليون العاشر الذي أصدر قراراً بحرمان لوثر وحرق كتبه.
وكان أمراء ألمانيا السبعة يؤيدونه فاستدعوه إلى مجلس الأمة الألماني عام 1521م. وكانت أحداث حرق "جون هس" الألماني عام 1415م لا تزال عالقة في الأذهان لأنه كان رمزاً للوطنية وقد وقع تحت حرم البابا وسجنه ثم حرقه لأنه اعترض على تصرفات الكنيسة الكاثوليكية.
ولكن لوثر ذهب إلى البرلمان تحت حماية الإمبراطور "فريدرك" وانتشرت ثورة لوثر وأصبحت ملهمة للفلاحين والعمال كثورة ضد الظلم والاستبداد. ولكن واجهتها روما بالعنف وسميت هذه الثورة بالمعترضين أو البروتستانت.
وبدأت ملامح عصر جديد وكنيسة جديدة هي البروتستانت التي ترفض كل سلطة للكنيسة الكاثوليكية والتقليدات الموروثة. وبدأ الصدام يصل إلى حروب في أوروبا كلها حُرق فيها مئة دير وثمانمائة كنيسة، ومات فيها مئة ألف شخص.
ومن هذه الحركة ظهرت جماعة جديدة في سويسرا يقودها القس الكاثوليكي زونكلي وانضم له أمراء سويسرا وجنوب ألمانيا. ثم ظهرت جماعة أخرى يقودها شاب مسيحي من أصل يهودي ألماني اسمه الأصلي "جون كوهان" ثم أطلق على نفسه اسمه "جون كالفن". أرسله أبوه ليدرس في فرنسا فاعتنق الفكر البروتستانتي عام 1534م. ثم هرب إلى ألمانيا ثم سويسرا وأصبح قائد وزعيم ديني وسياسي هناك.
وكان له أفكار عنيفة جداً من أفكاره خرجت جماعة أخرى اسمها البيروتاريين وهي كلمة تعني الأطهار ويقول الكاتب "وليم غاي كار" في كتابه "أحجار على رقعة الشطرنج": "أن مذهب كالفن كان من صنع اليهود وقد استعملوه خصيصاً للإيقاع بالمسيحية وشق وحدة الشعب". وكانت هذه الجماعة تقول إن رحمة اللـه لا تحل إلا على الأطهار، وكانت تكفر الفن والموسيقى والرسم حتى لعب الورق.
ثم حدث انفصال إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية بعدما أراد الملك هنري الثامن أن يطلق زوجته ويتزوج بأخرى ورفضت الكنيسة. وكانت من يريد أن يتزوجها تعتنق الأفكار البروتستانتية فأعلن تأسيس كنيسة الإنجليكان عام 1538م فاخترقت جماعة البيروتاريين هذه الكنيسة الجديدة.
وكانت قيادة الماسونية ترقب الوضع وتنتظر الوقت المناسب للعمل العام، وبالفعل احتضنت الماسونية هذه الجماعات ومولتهم. وبدأوا في الخطوة الأهم وهي السيطرة على حكومات أوروبا فوجدوا في اللورد كرومويل عضو البرلمان الإنجليزي الشخص المناسب لبداية الثورة الإنجليزية فعرضوا عليه تمويل الثورة لإسقاط الملك شارل الأول. وأسسوا جماعة مسلحة سرية اسمها "الرؤوس المستديرة" تقوم بالاغتيالات السياسية. وبدأت جماعة البيروتاريين في صنع الفتن بين الشعب لعمل حرب أهلية.
وفي عام 1645م قال كرومويل في مؤتمر البيروتاري: "وجود اليهود في إنجلترا من المصالح الاستراتيجية وإننا نحمي مشروع توطين اليهود في فلسطين". وأرسل رسالة إلى الحاخام اليهودي "ابنزبراث" قال له: "سوف أدافع عن قبول اليهود في إنجلترا مقابل المعونة المالية، ولكن ذلك مستحيل طالما الملك شارل الأول لا يزال حياً لذلك أنصح باغتياله". وكان ردهم: "سوف نقوم بتقديم المعونة المالية، ولكن اغتيال الملك خطر، ولكن سنلفق له تهم يحاكم عليها". وبالفعل حوكم على تهم لفقت له وأُعدم عام 1649م.
وبعد إزاحة شارل الأول قاد كرومويل إنجلترا وإيرلندا وإسكتلندا تحت مسمى الكومنولث عام 1653م وبدأ تنفيذ الخطة الثانية وهي احتلال الماسونية لإنجلترا اقتصادياً فأرهق كرومويل الحكومة بالحروب واستدان من المرابين اليهود ولم يقتصر الأمر على إنجلترا فقط، بل صار المرابين اليهود الماسونيين هم المتحكمين في كثير من دول أوروبا عن طريق تمويل الحروب. ودخلت إنجلترا في حروب أهلية. ثم بدأت تظهر جماعة أخرى اسمها المتنورين كانت أكثر خطورة وروج لهذه الأفكار جماعة من المفكرين تم تجنيدهم من قبل الماسونية ليكونوا العقل الجمعي للشعوب لتنفيذ مخطط مدمر للحكومات والجيوش ويتحكموا في العالم كما سنرى في المقالات القادمة إن شاء اللـه.
القمص أنجيلوس جرجس
نقلا عن الاهرام