وسيم السيسي
كنت مثاليًّا فى قواعدى، عادلًا فى أحكامى، عالميًّا فى مرامىَّ، نقيًّا فى مبادئى، صافيًا فى موادى، بنيت نفسى على العدل، ونسجت خيوطى من شتى الفضائل، فكنت دهشة للمؤرخين لعظمتى وسبقى الحضارى، كنت أُصاغ فى محكمة العدل المسماة دار حوريس الكبرى، عبارات واضحة ومختصرة فى صيغة بلاغية وفى منتهى الإتقان لا تسمح لأحد بأن يفهمها أو يفسرها على هواه
أنا أول مَن وضع: العدل أساس الملك، وقلت إن الملك يحيا بأعماله العادلة، وكنت أُحتم على كل ملك أن يضع حول عنقه تمثالًا لربة العدالة ماعت، وعليه أن يقدم تمثالًا لها فى معبدها تذكيرًا له بأن العدل أساس الملك.
كنت أُحتم على الملك أن يُوجِد حوله جيلًا من الموظفين العدول لأن حكمه ليس له تأثير دون بطانة حكيمة عادلة نقية بعيدة عن الفساد. كنت أُحتم على الملك أن يتلو على كبير الوزراء فى خطاب العرش: عامِل مَن تعرفه معاملة مَن لا تعرفه، لن تحصل على احترام الناس لك إلا بإقامتك للعدل، ليكن القرب منك أو البعد عنك بسبب الكفاءة وليس أى شىء آخر، إياك أن تفعل ما فعله كبير الوزراء «خيتى» من قبلك، مارَس الظلم حتى يتصف بالعدل، ظلم أهله خوفًا من أن يُتهم بالمحاباة، وأعطى حقهم للغريب!. ليكن نبراسك ماعت بين القريب والغريب.
هو ذا أحد ملوك الأسرة العاشرة «خيتى الرابع» يوصى ابنه ولى العهد: هدِّئ من روع الباكى، قرِّب إليك الإنسان حسب كفاءته، لا تجرد أحدًا مما يملك، ولا تطرد موظفًا من عمله دون وجه حق، ولا ترفع ابن العظيم على ابن المتواضع.
وإليكم رسالة من أحد ملوك الأسرة ١٢ إلى أحد وزرائه: حافظ على القانون، احرص على أن يصل كل إنسان إلى حقه.
جعلت المساواة كاملة بين الرجل والمرأة، أعطيتها الحق فى امتلاك الأراضى والعقارات، وأن تتصرف فيها كما تشاء: البيع، الشراء، الهبة، كما أعطيتها حق شكوى زوجها إذا صدرت منه قسوة باليد أو اللسان، فكان يُنذَر أولًا، يُجلد ثانيًا، يُخلع ثالثًا. أعطيت الحق للابنة الصغرى «فوق ١٦ سنة» أن تقوم بتقسيم الميراث!، حتى لا يظلمها الذكور أو الكبار!. ساويتها بالأخ فى الميراث، وجعلتها ملكة منذ الأسرة الأولى «ميرت نيت»، لم نعرف نظام المحاماة إلا فى عصر الرومان.
أعطيت كل مواطن حق الشكوى للمسؤول مهما كبر، هو ذا الفلاح الفصيح يخاطب محافظ وادى النطرون «رنسى بن ميرو»، بعد أن سرق اللصوص بضاعته، وبعد أن أرسل له ثلاث رسائل، ولم يستجب «عن عمد حتى يكتب أكثر»: لا تكن خفيفًا لأنك ذو وزن، ولا تنطق كذبًا لأنك عظيم، أسرِع ورُدَّ مسروقاتى لأنك بطىء، لقد عيّنك الملك حتى تطارد اللصوص، فأصبحتَ ملاذًا لهم، احذر اقتراب الأبدية، وفى الرسالة التاسعة: سوف أغادر هذا الإقليم لأن ماعت غادرته لأنك فيه!. استرضاه المحافظ.. إلى آخر هذه الرسائل الرائعة.
جاء سولون واعتنق الآمونية حتى يدخل المعابد التى بها المكتبات لدراسة القانون، وبعد ثلاث سنوات عاد إلى أثينا وأطلق على قانونى «قانون سولون»!، ثم جاءت روما، وأخذت القانون من اليونان، وسمّتْه: قانون جوستنيان والألواح الاثنى عشر، ثم جاء نابليون بونابرت، وأخذ القانون من روما، وأطلق عليه «قانون نابليون بونابرت»، وأخيرًا أخذت مصر قانونها الحالى من فرنسا، وهكذا: بضاعتكم وقد رُدّت إليكم، وكما ترون نسجت قانونى كما قلت لكم من خيوط الفضيلة والأخلاق حتى أكسو جسم البشرية بالحق والعدل، وبعد ذلك أسمع: فراعنة، سخرة، وثنية، يعبدون ملوكهم، وأمير الشعراء يرد عليكم:
زعموا أنها دعائم شُيِّدت/ بيد البغى مِلْؤها ظَلْماءُ
أين كان القضاء والعدل والحكمة/ والرأى والنُّهَى والذكاءُ
إن يكن غيرَ ما أتوه فخارٌ/ فأنا منك يا فخارُ براءُ.
نقلا عن المصرى اليوم