كتب - محرر الاقباط متحدون
وجه الكاتب الليبرالي والباحث سامح عسكر رسالة بعنوان "حدث بالفعل  -نقد الموروث"، وذلك عبر حسابه الرسمي على فيسبوك ، بنصها : 
 
من 15 سنة قرأت كثير من كتاب المستصفى للإمام "أبو حامد الغزالي" وأعجبت بصراحته وصدقه، وهو وإن كان متشددا أصوليا في هذا الكتاب لكنه كان نزيها في عرض أقوال مخالفيه والرد عليها.
 
تحدثت في مناظرة مع سلفي حيث ادعى أن السلف أجمعوا على أن من وصلته دعوة الإسلام ولم يُسلم فهو كافر، وبالتالي كل من هو غير مسلم كافر بالضرورة، ولأني قرأت المستصفى تذكرت ردود الغزالي على الجاحظ والعنبري.
 
الأول: هو الفقيه والأديب المعتزلي الشهير "أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ"  
 
والثاني: قاضي قضاة البصرة واسمه "عبدالله بن الحسن العنبري" 
 
الجاحظ كان يقول "أن الآخر لو كان معاندا على خلاف اعتقاده فهو آثم، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور. وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وهؤلاء قد عجزوا عن درك الحق ولزموا عقائدهم خوفا من الله تعالى إذ استد عليهم طريق المعرفة"  
 
ومعنى كلام الجاحظ أن الكافر هو الذي أدركته الدعوة وعرف الحق ولكنه عاند وكابر، أما المقتنع بدينه أو الذي لم يدرك معنى الإسلام أو وصله مشوها لا يمكن أن يكون كافرا، وأن هذا يتسق مع قوله تعالى "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فمن ادعى كفر جميع غير المسلمين فهو لم يفهم الإسلام ولا يلتزم روح القرآن..  
 
أما العنبري كان يقول : أن كل مجتهد في العقليات والأصول مصيب..  يعني كل من بحث بعقله وقلبه عن الحقيقة الدينية هو مصيب من وجهة نظره، ولن يحاسبه الله على ذلك ما دام قد عجز عن إدراك حقيقة الإسلام، وهذا أول تقرير بالنسبية في الرأي صدر من قاضي قضاة البصرة في العصر العباسي الأول..  
 
طبعا الغزالي معجبوش رأي الجاحظ والعنبري وكان بيرد عليهم، لكن ردوده كانت تقريرية مجحفة ومليانة تكلف واستدلالات خاطئة من وجهة نظري، فحجة الجاحظ قوية جدا ولو كان يعيش في زمن الغزالي وقرأ ردوده في المستصفى على كلامه لأفحم الغزالي بسهولة من النص القرآني..  
 
المهم: ذكرت له إن ردود الغزالي على العنبري والجاحظ في تعريف الكافر يعني إن السلف مأجمعوش ولا حاجة، بل اختلفوا ومن يدعي اتفاق السلف في هذه القضية هو كاذب..على فرض حدوث ذلك الإجماع أو حجيته بالأساس..لكن حبيت أثبت نقطة واحدة وهي أن ادعاءات إجماع الإسلاميين على كفر المعارضين وهمية ويشوبها التعصب للرأي والتسرع ليس إلا..  
 
مسألة تكفير المخالف من أبشع ما يصيب المؤمنين ، وقد مرض بها المتطرفون من جميع الأديان ، وبتشريح بسيط لهذا الفكر المتطرف نرى أنه يسهل دحضه بأقل الكلمات وبنصوص الكتاب المقدس الأول في الدين،   
 
لأن التجربة الإنسانية شهدت أن تطرف الإنسان دينيا يأتي غالبا من الإضافات البشرية على كتبه المقدسة وتماهيها مع الصراعات والأحداث السياسية وعبادته للأئمة والرموز والرهبان، وأن ذلك التطرف يسهل دحضه إذا حوكم لمنهجية واضحة تعطي الأولوية للعقل والنص المقدس، أما إضافات البشر تبقى ظنية مرهونة بمصالح الناس، فإذا تحقق الصالح العام كان الدين..