د.حسين عبد البصير
هل كان أخناتون هو أول الموحدين؟ هل كان هو الملك الموحد الأول القادم من مصر القديمة والشرق الأدنى القديم؟ هل ما قام به أخناتون من ثورة دينية بالقضاء على كل المعبودات الأخرى يعد أمرًا توحيديًا كما نعرف التوحيد بمفهومنا الحالى في العصر الحديث؟ هل كل إله أخناتون، المعبود آتون، إلهًا جديدًا أم كانت له جذوره في مصر القديمة ولم يكن إلهًا مستحدثًا دفع به أخناتون إلى صدارة المشهد الدينى في مصر القديمة في النصف الثانى من الأسرة الثامنة عشرة في عصر الدولة الحديثة عصر الإمبراطورية المصرية الفسيحة في مصر والشرق الأدنى القديم؟ هل هناك تشابه بين أناشيد أخناتون لربه آتون ومزامير نبى الله سيدنا داوود عليه السلام؟
كتب الملك أخناتون الأناشيد التي كان يناجى فيها ربه الإله آتون. وتمثل أناشيد آتون أهمية كبرى من الناحيتين الدينية والأدبية لما بها من أفكار دينية متقدمة وخلاقة وإبداعية تتشابه مع ما جاء في المزمور رقم 104 من مزامير نبى الله سيدنا داود عليه السلام. فيرى البعض أن هناك تماثلًا كبيرًا بين بعض الجمل والمفردات والتعبيرات الأدبية والسياقات اللغوية، وكذلك في المضمون الكلى بين نشيد أخناتون ومزمور النبى داوود المشار إليه. وتصور بعض الباحثين والعلماء أن مزمور نبى الله داود قد تأثر إلى حد كبير بنشيد أخناتون إلى ربه آتون، رغم طول الفترة الزمنية التي تفصل بين النشيد والمزمور؛ فقد عاش الملك أخناتون (وليس النبى كما يدعى بعض الهواة وبعض الباحثين) في القرن الرابع عشر قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا سيدنا محمد أفضل الصلاة وأتم السلام، في حين عاش نبى الله سيدنا داود عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد. وقد رأى بعض العلماء أن الأمر لا ليس إلا مجرد توارد خواطر ليس إلا؛ ففى النصين اللغويين يناجى الملك أخناتون ربه آتون ويناجى النبى داود الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا جاء التقارب والاتفاق في ذكر وتعديد نعم الرب وأفضاله وآلائه. ويمثل نشيد أخناتون أدبًا رفيعًا ضمن عيون الأدب العالمى، حيث يمتاز النشيد بروعة البلاغة وسلامة العبارة وسلاسة اللغة وروعة التعبير وحسن السياق وتواصله وتوافقه. وهناك النشيد الكبير لآتون والنشيد الصغير لآتون. وتم نقشهما على جدران بعض المقابر من رجال حاشية أخناتون في عاصمته في تل العمارنة. غير أن النسخة الكاملة من النشيد جاءت إلينا من مقبرة «آى». ويشير النشيدان إلى قدرة الرب آتون في خلق الكون والبشر والكائنات جميعًا، دون ذكر لأى معبود آخر في الخلق، باعتبار رب أخناتون الإله آتون هو الخالق الأعظم. ومن أجواء النشيد، نذكر ما يلى:
-أنت تطلع ببهاء في أفق السماء،
يا آتون الحى، (يا) بداية الحياة،
عندما تبزغ في الأفق الشرقى،
تملأ كل البلاد بجمالك،
أنت جميل، عظيم متلألئ،
وتعلو فوق كل بلد،
وتحيط أشعتك بالأراضى كلها التي خلقتها،
لأنك أنت «رع» وتصل إلى نهايتها،
وتخضعها لابنك المحبوب،
وبالرغم من أنك بعيد،
فإن أشعتك على الأرض،
وبالرغم من أنك أمام أعينهم،
فلا يعرف أحد خطوات سيرك
نقلا عن المصرى اليوم