( بقلم / أشرف ونيس )
باتت الحماسة قابعة خلف أسوار عدم إنصافها حين تداخلت المفاهيم فى أذهان بني البشر ، وقت أن ظنت العقول خطأ أن إيذاء النفوس لغيرها فى سبيل الحصول على المرجو و المرغوب فيه هو بالأمر الذى يجب أن يحظى بمدح و ثناء الجميع ، لكنها فرت من محبسها حين تحملت تلك المشار إليها سالفا - الحماسة - بدلا عنها ما لا قبل لأحد أن يتحمله ، بينما أمست هى حرة طليقة تعبث و تهدم و تقوض كل ما طالته أياديها الآثمة و براثنها الهالكة ...... الغيرة !!!!
الغيرة ؛ تلك هى العاصفة الهوجاء التى حسمت الهلاك لمن قابلها طريقا و دربا و سبيلا ، تلك الصفة التى حوت جميع الشيم المقيتة و القميئة لمن مال بوجهه ناظرا اليها ، مرتشفا منها ، محاولا أن يطفئ قيظ جوف شيطانه و من أملى عليه بشر أفعاله ، تلك التى ترى الباطل حقًا و الحق باطلا للوصول إلى المأرب و الهدف المنشود و لو كلف ذلك فاعلها الكثير و ضحيته من الهلاك الأكثر و الأكثر .
لم تشرق شمس الغيرة المظلمة بل و الدامسة أيضا سوى من سماء الحسد ، تلك السماء التى تلبدت بغيم الكراهية و سحب عدم المحبة . تتنفس الصعداء من هواء كانت و مازالت ذراته تحمل بين طياتها الموت و عدم الحياة ...... ، تتبرأ تبرؤًا من الشبع و عدم الاحتياج ، فلا تنظر سوى إلى الأخذ و لا تعرف سوى عدم العطاء ، كان توسدها هو الظلم و الظلام بينما بات التحافها من سقيع الأمانة و برد النزاهة هو الكذب و النفاق و الرياء ...... تسبر أغوار ضحالة الطرق و تتقعر بين ثنايا عدم الشرف ، تتعامى عن الاستقامة في سلوكها و تتبنى الانكسارات و التعرجات التى لطالما تأفف و ضج منها الجميع و فى هذا كله تشدو بالنصر رافعة رايات الشموخ المنكس و ألوية الرفعة الوضيعة !!!!
لم يكن بحر ذلك السلوك المشين - الغيرة - ببعيد عن رافد عدم الاكتفاء الذى رافق و لازم روافد أودت بحياة الإنسانية إلى حيث العدم و غير الموجود ، فلقد تزايد منسوب الفراغ و الشعور بالنقص الممتزجين و المختلطين برافد الطمع إلى ما لا يحق امتلاكه أو اقتناؤه ، فكان فيض من الصراع مع النفس و الاقتتال مع الذات ، فيه تخضبت ساحة الإنسان بدماء الخير بينما صدح صوت الشر مستعليا مستقويا مستأسدا معلنا انتصاره ، شاخصا الى ما يصبو اليه حيث الهلاك و الدمار ....... ، فكم تفانى أشخاص تأخذهم حمية الغيرة بل حمى البغضاء إلى ما لا يحمد عقباه ، فيه أودى بسلام الحاسد إلى الإعياء الشديد و المحسود إلى ما لا يتوقعه أو ينتظره ، و هكذا خسر الجميع فى تلك الوقائع و لم يسلم سوى من لم يتحيز بتلك الدائرة الهاوية بأصحابها إلى مالا حيث أرض به أو قاع له !!!
ليتنا نتحصن و نتسلح بنية الاكتفاء و الثقة بالنفس و التي تنحني كلها الى فضيلة الفضائل ألا و هى المحبة ، تلك المحبة التى يشدو لها السلام و يتغنى لها الكمال و ترتل لها الكفاية كما يرنم لها الرضى و الازدياد و التضاعف و الاستكمال . فيها نسلم إلى الإنسانية فى قمتها ، و نخضع إلى العطاء فى سموه و نأخذ و نتآخذ من الإيثار و التضحية و المنح و الانعام .