مراد وهبة
اسمه بالكامل محمد عبدالهادى أبوريدة، أستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعات العربية، وكان هو كذلك بالرغم من أنه كان معيناً مدرساً للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول بعد أن نال درجة الدكتوراة فى الفلسفة من إحدى الجامعات السويسرية فى عام 1945 ثم قام بتدريس الفلسفة من عام 1946 إلى عام 1949 وبعد ذلك غادر الوطن إلى إسبانيا مستشاراً ثقافياً لمصر فى إسبانيا. ومنذ عام 1966 إلى عام 1987 كان أستاذاً للفلسفة الإسلامية بجامعة الكويت.
والرأى عنده أن التحدى الحقيقى للفكر الإسلامى هو الإلحاد وليس شيئا غير ذلك. ولهذا فهو يرى أن رفض الإلحاد هو معيار صدق علم الكلام والفلسفة. فعلم الكلام (علم أصول العقائد) نشأ عند المعتزلة فى العصر العباسى الأول (150- 250 ه) عندما ظهرت كتب الفلسفة، وهم فى رأيه، أصل النظر العقلى لدحص ما يخالف العقيدة الإسلامية.
بيد أن هذا التحدى، فى رأيه، لم يكن مقصوراً على المعتزلة فحسب، بل أيضاً على الأشاعرة. ومن هذه الوجهة فإن علم الكلام مرادف للفلسفة الإسلامية. يقول: «هكذا تكونت من مواجهة الإسلام للفلسفة اليونانية فلسفة إسلامية على يد علماء أصول العقائد (علماء الكلام). وفى هذا المعنى لا يكون ثمة فارق بين علم الكلام والفلسفة الإسلامية. وقد يقال رداً على اعتبار أن علم الكلام فلسفة إسلامية أن الغزالى فى كتابه «تهافت الفلاسفة» قد هدم الفلسفة. والحال ليس كذلك فى رأى أبوريدة. فقد هدم الغزالى الميتافيزيقا اليونانية لما فيها من أوهام، وهو فى ذلك يماثل كانط الذى كان همه دحض الميتافيزيقا التقليدية ولم يقل أحد إن كانط قد هدم الفلسفة. ومع ذلك فتأسيساً على هذه المقارنة بين الغزالى وكانط التى اصطنعها أبوريدة فإنه يذهب إلى القول إن كانط قد تأثر بالغزالى. ولا أدل على هذا التأثر من أن كانط قد عرف كتاب «تهافت الفلاسفة» فى ترجمته اللاتينية دون شك.
وفى هذا السياق يمكن أن يقال إن ثمة تحدياً يواجه أبوريدة وهو قول ابن خلدون إن علم الكلام أصبح غير ضرورى فى عهده، إذ الملاحدة قد انقرضوا، والأئمة من أهل السُنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا. وإذا كان ذلك كذلك فلماذا يقول أبوريدة إننا فى حاجة إلى علم كلام جديد؟ جوابه أن الظروف تغيرت، فقد ظهرت فى العصر الحديث مذاهب لا دينية وأخرى الحادية. وتنصلت بعض الدول من الدين، ومن هنا وُلدت الفلسفة مرة أخرى ووُلد معها الإلحاد. فإذا بطل هذا الإلحاد بطلت معه الفلسفة.
وفى هذا السياق كله كانت ثمة مداعبات بينه وبينى. وأذكر منها واحدة عندما كنا مشاركين فى مهرجان ابن رشد بالجزائر فى عام نوفمبر من عام عام 1978 (هو والأب قنواتى وأنا). وفى إحدى استراحات المهرجان تصادف موعد الصلاة فقال لى أبوريدة: «ابق هنا. لا تتحرك. أنا ذاهب إلى الجامع. والأب قنواتى ذاهب إلى الكنيسة وسنصلى من أجلك ثم نعود إليك»، وقد كان.
نقلا عن المصرى اليوم