سمير مرقص
(1) «إفريقيا وحقوق الإنسان»
نواصل قراءتنا فى مذكرات: مسيرة تحرر؛ للأستاذ محمد فايق الذى يشير فى مقدمتها إلى أنه: «رغم المناصب الكثيرة التى شغلتُها، وتلك التى توليتُ فيها الحقائب الوزارية فى بلدى، وما أسند إلىَّ من تكليفات رفيعة المستوى، أو المهام التى كلفت بها من الأمم المتحدة كأمين عام مساعد لهذه المنظمة الأممية، أو فى الاتحاد الإفريقى مفوض لحقوق الإنسان، إلا أن أكثر ما أعتز به فى حياتى العملية موضوعان: أولهما أن أسند إلىَّ منذ بداية ثورة يوليو 1952 ملف إفريقيا، واندمجت اندماجا كاملا فى حركات التحرير الإفريقية ومع زعمائها، حتى أصبح تحرير إفريقيا واستقلال جميع دولها بمثابة الرسالة والحلم الذى كنت أعيش من أجله.. حيث أطلقت يدى للعمل فى هذا المجال بحرية وثقة وتشجيع من الرئيس جمال عبدالناصر الذى قاد المسيرة، ودعم كامل من الدولة.. الموضوع الثانى الذى أعتز به وشغل تفكيرى وحياتى بعد خروجى من سجن دام وجودى فيه عشر سنوات، هو قضية حقوق الإنسان، وحلمى أن أصنع مستقبلا لبلدى بوجهٍ أكثر إنسانية، يتخذ من حقوق الإنسان طريقًا لتحقيق نظام ديمقراطى سليم».
(2) «إفريقيا.. إفريقيا»
يستكمل «محمد فايق» ما كان قد كتبه فى كتابه: «عبد الناصر والثورة الإفريقية»؛ حول فلسفة ومنهجية واستراتيجية تعاطى يوليو الثورة لملف القارة السمراء منذ منتصف الخمسينيات. ففى «سيرة تحرر»؛ يشرح لنا «فايق» كثيرًا من التفاصيل فيما يمكن أن نطلق عليه: المسألتين السودانية والإثيوبية. كما يؤصل ويفصل كيف أصبحت مصر عقب تأميم قناة السويس نموذجا لحركات التحرر الإفريقى «بتأكيد حق الشعوب فى امتلاك ثرواتها»، ومن ثم باتت القاهرة قاعدة التحرر فى إفريقيا من خلال: «الرابطة الإفريقية» التى استقبلت الكثير من رموز التحرر الإفريقية الذين جمعت بينهم «مناهضة الاستعمار والعمل على استقلال بلادهم»، ووجدوا فى مصر الحاضنة لتطلعاتهم التى يأتى فى مقدمتها بقاء ثروات القارة الإفريقية الوفيرة ملكًا لأبنائها.
وحول هذه النقطة، يقول «فايق»: «كانت الدول الإفريقية حديثة الاستقلال تتعرض لضغوط من الدولة التى كانت تستعمرها للإبقاء على نفوذها أو تركيعها بغرض فرض هيمنتها»، لذا «تدفقت المساعدات من دول الاستعمار الغربى وشركاته المنتشرة فى غرب إفريقيا» لمناهضة التحرر القارى البازغ زمن الصعود الناصرى. كان محمد فايق لاعبًا رئيسيا فى ترسيخ وتفعيل دور مصر الإفريقى على مدى زمنى ممتد، لذا بقى معه الملف الإفريقى حتى بعد تعيينه وزيرًا للإعلام.
(3) «حقوق الإنسان: الرسالة والدور»
بعد أن قضى «محمد فايق» فى السجن عشر سنوات تنفيذًا للحكم فى قضية مراكز القوى ـ أو أكذوبة 15 مايو حسب وصفه- والتى أكد أنها كذلك محمد حسنين هيكل، الذى انحاز للسادات آنذاك عندما التقى فايق فى الحبس الذى عاد إليه بسبب ما عُرف باعتقالات سبتمبر 1981 وإن لوقت قصير، وعن هذه المرحلة قدم فايق سردية جديرة بالتأمل ـ انتقل إلى «عهد جديد» بدأ: بتأسيس دار المستقبل العربى للنشر، ثم الانخراط فى فعاليات حقوق الإنسان التى عدها «طريقا يوصل إلى الديمقراطية السليمة ونظام حكم رشيد».. كما «اتخذها رسالة حياته».. فشارك، منذ مطلع الثمانينيات، فى الأعمال التأسيسية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان وقصة بنائها المؤسسى وخوضها معركة ضروسًا: قانونية وتفاوضية؛ من أجل أن تعترف الحكومات العربية بمشروعية المنظمة حتى تؤمّن استقلاليتها وتتمكن من أداء رسالتها، وبدء إطلاق تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان فى الوطن العربى، وإنشاء المعهد العربى لحقوق الإنسان.. وفى 2003، عُين «محمد فايق» عضوًا بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، ثم نائبًا له فى تشكيله الأول بعد حراك يناير 2011، فرئيسًا للمجلس عند إعادة تشكيله بعد 30 يونيو. وقد سعدت بعضوية المجلس فى هاتين الدورتين، وكنت شاهدًا على دور الرجل فى وقت انتقالى حرج من تاريخ مصر.
(4) «رجل دولة وناشط مدنى - حقوقى»
وبعد.. تعكس مسيرة الأستاذ محمد فايق أننا أمام رجل استطاع أن يجمع، بامتياز، بين أن يكون رجل دولة وناشطا مدنيًا وحقوقيًا؛ ويقدم نموذجًا فريدًا ومتفردًا من حيث امتلاك مَلَكَة الحكم الدولتية من جهة، والحضور الفاعل المدنى من جهة أخرى، وأداء مهام وطنية كبرى برصانة ورشادة واستقامة ونزاهة وجدارة من أجل الصالح العام.. تحية لمسيرة الرجل التحررية.
نقلا عن المصرى اليوم