د. وسيم السيسي
أنا ماعت ربة العدالة فى العالم كله، أصبح العالم فى شقاء لأنى غادرته بسبب أفعاله. وُلدت فى مصر، فتاة جميلة على رأسى ريشة نعامة، والذراعان كأنهما جناحا نعامة، وقد اخترت النعامة رمزًا دون سائر الطيور لأنها الوحيدة التى يتساوى لديها الجناحان، بل كل ريشة فى العدد والوزن على الجانبين، ولا تكون العدالة إلا بالمساواة بين طرفين.
أصبح اسم مصر مرتبطًا بوجودى: بلد النيل وماعت، نقلت الإنسان من إنسان غابة بدائى إلى إنسان تفخر الإنسانية به، عرّفته أن الدنيا فيها ثواب وعقاب، وأن الأبدية فيها جنة ونار.
الميزان الذى ترونه فى المحاكم فى كل أنحاء العالم هو ميزانى حتى أعرف مَن خفّت موازينه، ومَن ثقلت موازينه، كانت قوانينى مستمدة من الإله الواحد «واحد أحد ليس له ثانٍ.. متون الأهرام»، فلا يجرؤ حاكم على تغييرها.
كانت عقوبة القاتل هى الإعدام، أما إذا كان قاتلًا لأحد أبويه فتُحرق الجثة بعد إعدامه حتى لا تتلوث الأرض به، كانت عقوبة قطع اليد للسارق أو مَن يغش فى الميزان، أو يأخذ رشوة، أو يزور فى المستندات، أما عقوبة الزنا فقد كانت الجلد مع جدع الأنف «قطع طرف الأنف»، كما كانت عقوبة الخيانة العظمى هى قطع اللسان، أما البلطجة فقد كانت عقوبتها قطع الذراع مع أذن واحفدة، وأخيرًا عقوبة الاغتصاب كانت الإخصاء، أى قطع الخصيتين. كنت أُحتم على القاضى أن يقسم أنه سوف يحكم بالعدل قبل أن يطلب من الواقف أمامه أن يقسم بالصدق، وأن يحكم بين النساء وهو صافى الذهن، نقى الضمير، وكنت أُذكره دائمًا بأنه يحكم على أعمال الناس فى الدنيا، وسوف يحاكمه الله على أحكامه فى الآخرة، وعليه أن يتنحى إذا أحس بميل لطرف دون الآخر.
لقد سمحت للمرأة أن تكون قاضية، أذكر منهن القاضية نفرياهو، كما كانت وزيرة العدل «نبت» حماة الملك تيتى، كما حتّمت أن تكون المرأة ضمن هيئة المحلفين، فإذا كنت أنا العدالة امرأة فكيف لا أُنصف المرأة، وقد كانت فى الشعوب التى حولنا كالرومان يحق للزوج قتلها على أتفه الأسباب، بل كانت عند موت الزوج مثلًا، يُكتب: ترك المتوفى خمسًا: ثلاث نساء وبقرتين!.
أعطيت الشعب حق الامتناع عن العمل، كما حدث فى عهد رمسيس الثالث، أضرب العمال 18 يومًا لتأخر المرتبات، كما أعطيت الشعب حق الهتاف للملك أو ضده عند وفاته، فإن كان ظالمًا لا يُدفن فى مقابر الملوك، فكان كل ملك يعمل حسابًا لهذا اليوم الرهيب، وعند محاكمة الروح أضع ريشتى على إحدى كفتى الميزان، وحتى اليوم تقولون لبعضكم البعض: يجعلها فى ميزان حسناتك. كان الأوزير «المرحوم» الصالح يقول: كنت أحترم عقائد غيرى، كنت عينًا للأعمى ويدًا للمشلول ورِجْلًا للكسيح، كنت أكره العنف بجميع أشكاله، حتى فى حكم الإعدام كان القاضى يقول لمَن صدر عليه الحكم: لقد لوثتَ يديك بقتل غيرك، فعليك أن تُنهى حياتك بالطريقة التى تختارها، فلن ألوث يدىَّ بقتلك!.
نقلا عن المصرى اليوم