محرر الاقباط متحدون
وخلال الجلسة الختامية ألقي بابا الفاتيكان خطابا توقف فيه عند ثلاث صور لا بد من التأمل فيها نظراً لأهميتها بالنسبة لنا ألا وهي البحر والميناء والمنارة.
استهل البابا كلمته موجها تحية للحاضرين وشكرهم على تلبيتهم دعوة الكاردينال أفيلين للمشاركة في هذه اللقاءات. 
 
وذكّر بأن مارسيليا مدينة قديمة جدًا. ومنذ نشأتها، كان لها طابع مُركّب وعالمي: فهي تستقبل غنى البحر وتعطي وطنًا للذين لم يعد لديهم وطن. تقول لنا مارسيليا إنه على الرغم من الصعوبات، يبقى العيش المشترك ممكنًا وهو مصدر للفرح. وأضاف يقول: أريد أن أقترح عليكم بعض الأفكار حول ثلاث حقائق تميز مرسيليا: البحر والميناء والمنارة.
 
في سياق حديثه عن البحر قال فرنسيس إنَّ البحر الأبيض المتوسّط هو مكان للقاء الديانات؛ بين الفكر اليوناني واللاتيني والعربي؛ بين العلم والفلسفة والقانون، وبين العديد من الحقائق الأخرى، لقد نقل للعالم قيمة الإنسان السّامية، وحريته، وانفتاحه على الحقيقة، وحاجته إلى الخلاص، والذي يرى العالم كآية يجب اكتشافها وحديقة ليسكن فيها، تحت شعار إله يقطع عهودًا مع البشر.
 
تابع البابا: في "بحرنا" Mare Nostrum، المتواجد على تقاطع طرق بين الشمال والجنوب، بين الشرق والغرب، تتركز تحدياتُ العالم بأسره، وهذا ما تشهد عليه "ضفافُه الخمسة"، إنها الـ"خطوط الأمامية" للتحديات التي تعني الجميع. يشكل هذا البحر بيئةً تقدّم مقاربة فريدة للأوضاع المعقدة، هو "مرآة العالم"، ويحمل في طياته دعوة كونية للأخُوّة، التي هي الدرب الوحيدة للوقاية من الصراعات وللتغلُّب عليها. وقال البابا: في بحر صراعات اليوم، جئنا لنثمن إسهام البحر المتوسط، كي يكون مجددا مختبرَ سلام. لأن هذه هي دعوتُه، أن يكون مكانًا تلتقي فيه بلدان ووقائعُ مختلفة استناداً إلى ركيزة الإنسانية التي نتقاسمها جميعًا، وليس على أساس الأيديولوجيات المتضاربة فيما بينها. لنبدأ، ككنيسة ومجتمع مدني، من الإصغاء إلى الفقراء الذين ليسوا أرقاما، بل هم وجوه، الذين يجب أن "يُعانقوا لا أن يُعدّوا". تغيير المسار في مجتمعاتنا يتمثل في معاملتهم كأخوة نعرف قصصهم، لا كمشاكل مزعجة؛ ويتمثل أيضا في استقبالهم لا في إخفائهم؛ في دمجهم، لا في إبعادهم؛ وفي منحهم كرامتهم.
 
تابع فرنسيس كلمته متحدثا عن الميناء وقال إن ميناء مارسيليا كان، منذ قرون، بمثابة بابٍ مشرع على البحر، على فرنسا وعلى أوروبا. فمن هنا غادر الكثيرون بحثا عن عمل وعن مستقبل في الخارج، ومن هنا عبر كثيرون باب القارة يحملون أمتعة مليئة بالأمل. لمارسيليا ميناءٌ كبير، إنه بابٌ كبير لا يمكن إغلاقُه. عديدةٌ هي الموانئ المتوسطية التي أُغلقت. 
 
كان المجمع الفاتيكاني الثاني قد أنهى أعماله للتو، قال البابا، عندما أصدر القديس بولس السادس رسالته العامة "ترقي الشعوب"، وكتب فيها: "إن شعوب الجوع اليوم تخاطب بصورة مأساوية الشعوب الغنية. إن الكنيسة ترتجف أمام صرخة الألم والقلق هذه، وتدعو كل واحد للاستجابة بمحبة لأخيه". وقد عدَّد البابا مونتيني "ثلاثة واجبات" تترتب على الدول الأكثر تقدما: واجباتٌ "متجذرة في الأخُوّة البشرية والفائقة الطبيعة": "واجب التضامن، أي المساعدة التي يجب على الدول الغنية تقديمها للدول النامية. وواجب العدالة الاجتماعية، أي إعادة بناء وتصحيح العلاقات التجارية المعتلَّة بين الشعوب القوية وتلك الضعيفة. وواجب المحبة الكونية، أي العمل من أجل عالم أكثر إنسانية للجميع، عالم يكون فيه لكل فرد ما يعطيه وما يأخذه، من غير أن يكون تقدُّم البعض عائقًا أمام نمو الآخرين".
 
وتابع: واضحةٌ أمام أعين الجميع الصعوباتُ في استقبال وحماية وتعزيز ودمج أشخاص لا ننتظر قدومهم، لكن لا يجوز أن يكون المعيارُ الرئيسي الحفاظَ على رفاهيتنا الخاصة، بل الحفاظ على الكرامة الإنسانية. لا ينبغي أن نعتبر الذين لجأوا إلينا عبئا: إذا اعتبرناهم إخوة، سنرى فيهم هبة قبل كل شيء. غدًا سيُحتفل باليوم العالمي للمهاجر واللاجئ. دعونا نتأثر بقصص العديد من إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون من الصعوبات، والذين لهم الحق في أن يهاجروا أو لا، ودعونا لا ننغلق في اللا مبالاة. وإزاء الآفة الرهيبة، آفة استغلال البشر، لا يكمن الحل في إبعاد الأشخاص، بل في ضمان دخول عدد كبير بصورة قانونية ونظامية، حسب إمكانات كل بلد، ويمكن أن يتم ذلك بفضل استقبالٍ متساوٍ من قبل القارة الأوروبية، في إطار التعاون مع بلدان المنشأ.