فاطمة ناعوت
حقّق مقالى «الكراهيةُ رصاصةٌ مرتدّة» يوم الإثنين الماضى هنا بزاويتى بجريدة «المصرى اليوم» صدى واسعًا وتفاعلاتٍ كثيرة، من بينها مهاتفةٌ جميلة من المهندس «محمد سامى»، عضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصرى. تحدثنا فيها مطولا عن آفة «البغضاء»، وسألنى مباشرة: «ألا تكرهين من آذاكِ أو آذى وطنك؟»، قلتُ له: «بالطبع، أختصمُ من آذى وطنى. فلا أضع يدى فى يده لئلا أسمحُ له بفرصة جديدة للإيذاء.. لكننى لا أدعو عليه بالويل ولا أغدره أو أتشفّى فى مصابه.. وغيرها من الصغائر التى لا تليق بالإنسان». وضربتُ له مثلا حيًّا بالقضية الكيدية التى حاربنى بها «الإخوان» عام ٢٠١٣ بسبب موقفى الصارم منهم طوال مدة حكمهم وحربى القديمة المعلنة ضدهم منذ عام ٢٠٠٥ حين استلبوا ٨٨ مقعدًا فى البرلمان المصرى، وما تلا ذلك من تداعيات كارثية انتهت بسرقتهم حكم مصر، فزاد اشتعال حربى ضدهم فى عزّ سلطانهم، فكفّرونى وأهدروا دمى وهددونى ولاحقونى قضائيًّا بتهم كيدية أسفرت عن الحكم علىَّ بالسجن ثلاث سنوات فى عهد الإخوان، حتى أنصفنى القضاء المصرى النزيه عام ٢٠١٦ وأوقف تنفيذ الحكم فى آخر لحظة.
وإلى آخر الزمان سيظلُّ اختصامى للإخوان قائمًا؛ لأن تاريخهم الأسود منذ عام ١٩٢٨ يثبت حقدهم على مصر وطمعهم فى خيرها دون ذرة وطنية ولا انتماء.
ومع هذا فإليكم مقتطف من المقال الذى كتبته هنا بجريدة «المصرى اليوم» فى سبتمبر ٢٠١٧ بمناسبة عيد الأضحى المبارك آنذاك، وتكلمتُ فيه عن المحامى الإخوانى الذى أقام ضدى الدعوى الكيدية لمعاقبتى بسبب موقفى من فصيل الإخوان، وكان يصرخُ على صفحته كل يوم «هحبسك يا مجرمة!!».
كان عنوان المقال: «معايدة العيد من ألدّ خصومى»:
«فى صباح عيد الأضحى، وصلتنى مئات المعايدات، من قرائى وأحبّتى، صخرتى التى أعتصمُ بها من ويلات المتربصين. من بينها المعايدةُ الأغربُ، والأكثر إدهاشًا، من ألدّ خصومى وأشرسهم: المحامى الإخوانى الذى أقام ضدى دعوى قضائية بتهمة ازدراء الأديان، لأننى استنكرتُ أن تتمَّ شعيرةُ نحر الأضاحى على غير أصولها الكريمة كما سنّها الرسولُ، والتى تأبى تحقير الأضحية أو تعذيبها والتنكيل بها قبل نحرها.
كان ذلك حين نشرتُ على صفحتى صورًا من شرفتى الحاشدة بمئات العصافير واليمامات التى تزورنى كل يوم لتأكل وتشرب من الطعام والماء الذى أعلّقه لها فى أغصان أشجارى. ومع الصور ناجيتُ العصافير بهذه الكلمات: (بكامل الحرية تملأون بيتى زقزقةً وغناءً وصدحًا. من دون قفص. فأنا لا أقايضُ الحريةَ بماءٍ وقمح. شرفتى محطُّ العصافير. شكرًا للموسيقى والشدو). ومن بين مئات التعليقات الجميلة على البوست، وجدتُ هذا التعليق من المحامى «محمد عفيفى»، الإخوانى الذى قاضانى:
«أ. فاطمة، كل عام وأنتِ والأسرة بخير وصحة وسعادة. معايدة أبتغى بها استرضاء الله. إن كان فى قلبك منى غُصّة فسامحينى. وأنا لا أخجل أن أشكرك على كثير أمام الناس. مررنا بمحنة شديدة أنا وأنتِ. أسال الله العظيم ألا يعيدها لأىٍّ منا. ممكن المعايدة دى متعجبش ناس كتير. وممكن متعجبكيش أنتِ؛ الله أعلم. لكن كما قلت إنها استرضاء لله».
وكان ردّى:
«سامحتك منذ زمن. وعلّك لا تصدقنى إن أخبرتك أننى لم أكرهك يومًا رغم ما مرّ بى من ظلم لأعوام ومرار البُعد عن ابنى المتوحد، ولم أدعُ عليك بسوء. فقد تعلّمتُ منذ طفولتى ألا أكره وألا أدعو اللهَ إلا فى خير. بالطبع حزنتُ وبكيتُ واندهشتُ مما يحدثُ لى بسببك.. لكننى حتى لم أقل (آمين) لمن كان يدعو عليك بالويل أمامى من أسرتى وقرائى، بل شكرتك فى مقال بعد الحكم علىَّ بالسجن. لأن تلك المِحنة العسرة جعلتنى أكسب كنزًا من الأصدقاء الذين ساندونى. تلك المِحنة كشفت لى رحمة الله الهائلة بى، ومكانتى لدى قرائى. أُثمّن اعتذارك وشكرك لى علنًا، وليس فى رسالة خاصة. وأسامحك على الملأ، كما سامحتك أمام الله منذ سنوات. بارك الله فى أسرتك، ومبروك افتتاح مكتب المحاماة الذى لولا مخافة سوء الظن لأرسلتُ لك يوم افتتاحه باقة زهر».
فجاء ردُّه:
«حقٌّ علىَّ أن أعتذر لكِ سيدتى عن كل قطرة دمع كنتُ سببها. والأكيد أن شكرى لك سببه معان وحقائق أبصرتُها أثناء تلك التجربة. ربما أخبرك بها إن قدرت لى الأقدار شرف لقاك. وأشكر لكِ جميلَ ردك الذى لن أستطيع أن أسطر أبدع منه مهما حاولت. وقطعًا، زهور فاطمة ناعوت تذكار عظيم الشأن. ويشرفنى أن أكون ضمن حضور صالونك الشهرى. كل الاحترام والتقدير لك».
هكذا يكون الاختصام دون بغضاء، كما علّمنا القرآن الكريم: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس». نختصمُ ونأخذُ حذرنا ممن آذانا دون أن نؤذيهم أو نرجو لهم الإيذاء.
نقلا عن المصري اليوم