القس باسليوس صبحي

أولًا: اسمه وعمله:

ورد اسمه هكذا في المخطوطات المتنوعة:
* الكاهن المؤتمن القس ميخاييل ابن الكاهن المؤتمن القس جرجس المعروف بالمعاريجى خادم بيعة مارجرجس بدرب التقه[5].

* الأب الأسقف أنبا ميخاييل المعاريجي أحد أساقفة الوجه البحري صهر القس اسحق أبو المسكين بخطاياه منصور المدعو بالاسم بغير استحقاق قمصًا[6].

نفهم من ذلك عدة أمور، نوجزها فيما يلي:
أ. والده كان كاهنًا باسم "القس جرجس المعروف بالمعاريجى"، الذي كان خادمًا لكنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بدرب التقه، أي بمصر القديمة حاليًا.
ب. تولى القس ميخائيل المعاريجي إحدى إيبارشيات الوجه البحري لفترة ثم أُعفى من الخدمة، لسببٍ ما، سنحاول تفسيره.

ثانيًا: أسرته:
كان للقس ميخائيل المعاريجي أختًا مقترنة بالأب القس التاج إسحق الحكيم المصري، الذي كان كاهنًا بنفس الكنيسة (كنيسة مارجرجس بدرب التقه). وهما (أي القس إسحق وزوجته شقيقة القس ميخائيل المعاريجي) والدا الأب القمص (جرجس) الشمس أبو المنصور كاهن كنيسة السيدة العذراء الروم، وناسخ المخطوط الذي يذكر لنا هذه المعلومات، الذي يُعرف اختصارًا باسم القمص جرجس الحكيم[7].

ثالثًا: تحديد مكان خدمته الأسقفية:
لم يذكر ناسخ المخطوط "32 Par." اسم الإيبارشية التي رُسم عليها القس ميخائيل المعايرجي، بل اكتفى الناسخ كما سبق وأشرنا (ابن أخته القمص جرجس الحكيم) بقوله الأسقف بالوجه البحرى، ويفهم من ذلك أن الأنبا ميخائيل المعايرجي، له وضع خاص، أو ربما أن الناسخ يُريد أن يتفادى ذكر وضع مُعين جعل من الأنبا ميخائيل أسقف مُعفى من الخدمة أي أسقف متقاعد (أي غير ممارس لعمله وقتها)، بسبب بعض المشاكل الرعوية (؟)، أو بسبب كبر السن والمرض.

وبمراجعة جداول الأساقفة في ذلك الزمان، وجدنا فعلًا مجموعة من الأساقفة قد أعفوا من الخدمة لسبب أو لآخر. وبفحص مَن حمل فيهم اسم "ميخائيل"، وجدناهم ثلاثة أساقفة، وهم بحسب ذكرهم:

* أنبا ميخاييل القبرسي المطران على قبرس ثم رودس ثم اعتفى الآن.
* أنبا ميخاييل البرموسي.
* أنبا ميخاييل أسقف سمنود.

فالأول منهم مُستبعد لكونه مطرانًا وليس أسقفًا، ولكون إيبارشيتيه كانتا خارج حدود مصر (وليس كما تذكر المخطوطة: أحد أساقفة الوجه البحري). أما الثاني فكان أسقفًا منسوب لدير البرموس، ولا نعلم هل هذا لكونه كان قبلًا راهبًا بذلك الدير قبل رسامته الأسقفية، أم لكونه متقاعدًا فيه يومئذ؟، وفي كلتا الحالتين لم تُذكر اسم كرسي إيبارشيته أيضًا.

ومن ثمّ فالأرجح أن يكون الأنبا ميخائيل المعايرجي هو الأنبا ميخائيل أسقف سمنود. ومما يُدعم هذا الرأي أنه كان لدى الأنبا ميخائيل أسقف سمنود العديد من المشاكل في خدمته، والدليل على ذلك هذا الكم من المخاطبات التي كانت بين البابا يوأنس الثالث عشر الـ94 (1484-1524م) المعاصر له -وسيرته موجودة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت- وكهنة وشعب إيبارشية سمنود، تلك المكاتبات التي تحفظها إحدى مخطوطات الدار البطريركية بالقاهرة، على سبيل المثال، المُكاتبة الأولى جاء في أولها: «صدرت هذه البركة إلى جماعه الأولاد المباركين... والايغومانوسيين... والقسوس... والشمامسة... وكافه الشعب المسيحى بكرسى سمنود وما نسب إليه شرقًا وغربًا، بُعدًا وقُربًا...» (230 ظ). «... ولم نختصر على هذا النزر اليسير وإلا اتكالًا على الأخ الجليل الفاضل البار والأنا المختار الأسقف المكرم أنبا ميخاييل أبيهم وريسهم...» (231 ظ). وبقية البركة من اجل طاعة الله والاسقف وسماع تعاليمه ووصاياه لهم...[8].

أما المُكاتبة الثانية جاء في أولها: «صدرتهذه (كذا) البركة إلى كل واقف عليها وسامعا لما يتلا فيها من كافه الكهنه والشمامسه والشعب المسيحي بكرسي سمنود وما نسب إليه... هو ان السبب الموجب لاصدارها إلى كافتهم هو ان قبل تاريخه اتصل بالقلايه ان تم جماعه من رهبان البريه اذا كان في خاطر احدهم حصر أو غيظ أو بغض أو حسد من اسقف من الاساقفه بالوجه البحرى يتحيل بكل حيله ويتكلم في جانب ذلك الاسقف عند شعبه واولاده وجماعته أو عند من هو ساكن أو نزيل في ابروشيته بما يوجب تغيير خواطرهم على ذلك الاسقف، ولم تبت دلك في القلايه ممن شهد شرعيا، اطلقنا مع مشيه الله سبحانه الكلام الصعب، وكتب ذلك في ورقه مفرده على كل راهب أو شماس أو قس أو قمص يتكلم بكلام ردى في حق احد من اساقفه الوجه البحرى عند شعبه واولاده وجماعته واهل ابروشيته عمدًا...» (238 ج)[9].

ومما يؤكد هذه المعلومة أيضًا، المُكاتبة الثالثة التي جاء بأولها: «صدرتهذه (كذا) البركه إلى كافه الاولاد المباركين الكهنه وروواساء الكهنه والرهبان والبتوليين والعزاب والمتزوجين الرجال والنسوان والشيوخ والشبان والعبيد والاحرار وكافت الشعب المسيحى... وموجب اصدارها إلى كافتهم وإلى كافه الذين سبق رقادهم في الايمان المستقيم منذ البشاره الانجيليه وإلى هلم عيد الميلاد المجيد سنه تاريخه وعيد الغطاس هو أنني قدمت خيرة الرب سبحانه في تحليلهم بنعمه الله من جميع الماضى جميعه راجيًا بذلك انصلاح الحال برحمه الله...» (241 ظ). وبعد ذلك يعطي البطريرك حلًا لجميع الشعب عن خطاياهم السابقه ومن كل حرم ورباط ومنع ولعنه وكل تعدي ومخالفة، «.. ومن جميع ما صدر منهم من النقص في حق مسطرها والتهاون من يوم جلوسه على كرسى مارى مرقس الانجيلي خادما الشعب المسيحي.. الذي هو الخامس عشر من شهر امشير 1199ش [الموافق الأحد 9 فبراير 1483م] وإلى اليوم تسطيرها التاسع والعشرين من شهر كيهك 1225ش [الموافق 25 ديسمبر 1508م] وهو عيد الميلاد المجيد يكونوا جميعهم محللين من قبل الممنوع والدعاء ومن جميع تبعات مسترها..» (243ج/ ظ). ثم أعطى الحل من فم اسماء جميع الرسل والآباء البطاركة الكرسي السكندري من مار مرقس الإنجيلي أولهم إلى أنبا يؤانس الثاني عشر النقادي (البطريرك الـ93) سلفه، ومن فم الآباء البطاركه وأساقفة الكراسي المختلفه وآباء المجامع المقدسه ومن فم آباء الكرازه المرقسيه المطارنه والأساقفه، وذكرهم كلهم وكان بينهم رقم 19) «..انبا يوساب (246ج) أسقف سمنود الان.. (ورقم 27) انبا ميخاييل أسقف سمنود (ضمن أسماء الآباء الأساقفة الذين أعفوا من الخدمة)..»[10].

فمما سبق ذكره نُرجح أن الأنبا ميخائيل المعاريجي كان أسقفًا على إيبارشية سمنود، وبسبب بعض المشاكل بينه وبين شعبه (كما نفهم من المُكاتبة الأولى)، أو ربما بسبب تدخل بعض رهبان الأديرة البحرية بينه وبين شعبه (كما نفهم من المُكاتبة الثانية)، أُعفي من خدمته الأسقفية قبل نهاية سنة 1508م (كما نفهم من المُكاتبة الثالثة).

رابعًا: تاريخه:
رغم أننا لا نعرف زمن رسامته الأسقفية بالتحديد، إلا أن من المحتمل أنه رُسم بعد سنة 1177ش (1461م)، سنة طبخ وتقديس زيت الميرون المقدس في عهد البابا الأنبا متاؤوس الثاني الـ90 (1452-1465م)، حيث لم يرد اسمه ضمن الآباء الأساقفة الذين حضروا عملية التقديس مع البابا المذكور. كما أنه اعتزل الخدمة قبل نهاية سنة 1508م كما سبق وشرحنا.

ومما هو جدير بالذكر أنه عاش حتى تجاوز المائة سنة، فإذا كان كاهنًا سنة 1426م (يوم نقل رفات مار جرجس إلى مصر القديمة)، وكان لا يزال على قيد الحياة في نهاية سنة 1508م (كما نفهم من المخاطبة الثالثة للبابا يوأنس السابقة الذكر)، فيكون قد تجاوز القرن قبل نياحته.

وللأسف لم يرد ذكره بأي مرجع أجنبي أو عربي، وحتى الباحث الألماني Stefan Timm لم يذكر عنه أي شيء مفيد، سوى أنه كان في غضون القرن السادس عشر الميلادي أسقفين لإيبارشية سمنود، وبالتحديد قبل سنة 1598 باسم يوساب وميخائيل، والأرجح أن ميخائيل كان أسبق من يوساب[11].

خامسًا: أعماله:
أ. في عهد قسوسيته:

1. اهتمامه بنقل جزء من رفات مار جرجس لكنيسته بمصر القديمة:
يذكر ميمر نقل رفات الشهيد مار جرجس من أرض فلسطين إلى أرض مصر، أن الرفات المقدسة التي ُنقلت أولًا من كورة فلسطين (في زمن غير معروف لدينا الآن) إلى كنسية على اسم الشهيد العظيم بالواحات[12] بواسطة أحد الأمراء المسيحيين، ثم لما خربت هذه الكنيسة على يد العرب، حمل الرفات أحد العربان إلى منزله وأحتفظ بها في مخزن الغلال، فمن ثم كانت سبب بركة عظيمة له ولغلاله، فتمسك الأعرابي ومدينته بوجودها وسطهم. ولما سمع بعض رهبان دير أنبا صموئيل بجبل القلمون kalamwn بوجود هذه الرفات عند الأعرابي[13] بذلوا جهدًا عظيما حتى أقنعوا أخر أحفاده بالتخلي عنها مقابل ذهبًا كثيرًا، فدخلوا بها إلى ديرهم بالتسابيح والألحان فرحين ومسرورين، وكان ذلك في عهد البابا متاؤوس الأول (الـ87) [1378-1408م] وفي رئاسة الأب المكرم القس ذكري ابن القمص، ونيابة الأب الراهب الناسك سليمان القلموني[14].

ولما كان في (أواخر) عهد البطريرك البابا غبريال الخامس (الـ 88) [1409-1427]، وكان قبلًا راهبًا بدير القديس العظيم الأنبا صموئيل المعترف بجبل النقلون، سمع الكاهن المؤتمن القس ميخائيل ابن الكاهن المؤتمن القس جرجس المعروف بالمعايرجي خادم بيعة مار جرجس بدرب التقة بهذا الخبر فتقدم إلى الأب البطريرك أنبا غبريال وسأله أن يمني عليه بإشارته إلى الآباء الرهبان بجبل القلمون بأن يعطوه جزء من الأعضاء الطاهرة التي للشهيد مار جرجس ليحضرها إلى بيعته بمصر القديمة. وبعد سؤال كثير أنعم عليه الأب البطريرك بذلك وكتب له بركة للآباء الرهبان بأن يكملوا إرادته فيما طلب من الأعضاء الكريمة ولعظم فرحته سافر لوقته إلى الدير المذكور وبعد أن تبارك من الآباء الرهبان دفع لهم بركة الأب البطريرك. فلأجل الطاعة ومحبتهم في الأب البطريرك والقس المذكور (القس ميخائيل المعاريجي)، دفعوا له جزءًا من الرفات، وعاد بها إلى مصر في اليوم السادس عشر من شهر أبيب سنة 1142ش [الموافق الأربعاء 10 يوليو سنة 1426م]. بعد أن خرج للقاه من باب البيعه الكهنه بالصلبان والمجامر والشموع والنواقيس والقراءة. وأدخلوه البيعة بإكرام لائق به، وصنع (أي القس ميخائيل) له باعوثًا[15] عظيمًا. وصنعوا لها صندوقًا ووضعوا الرفات داخل أنبوبة ثم وُضعت الأنبوبة داخل الصندوق...[16].

2. وضع لحن لإكرام الأنبا برسوم العريان:
وضع وهو قس قبل رسامته أسقفًا لحنًا لإكرام القديس العظيم الأنبا برسوم العريان، وهو لحن Apekran... المعروف. وذلك كما يشهد ناسخ المخطوطة ""32 Par. قائلًا:

[لحن للقديس العظيم أنبا برسوما العريان ترتيب الاب الاسقف / المكرم انبا ميخاييل المعاريجي حين كان قسًا قبل / ولايته الاسقفيه بالوجه البحري...] [17].

ومما هو جدير بالذكر أن هذا اللحن صار لحنًا يُقال لمدح أي قديس. ومما هو جدير بالذكر أيضًا أنه كان يُظن خطأً أن هذا اللحن كُتب لمدح القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان، ولكن من يدرس كلماته مليًا يجد أنه لا يتناسب وسيرة الأنبا أنطونيوس. فمثلًا يقول: "السلام لقبرك الممتلئ نعمة. السلام لجسدك المقدس..." ومن المعروف أن مكان جسد الأنبا أنطونيوس غير معلوم بالتحديد، كذلك يقول: "اسمك عظيم في كورة مصر..."، وهذه عبارة تُناسب قديس محلي مثل القديس الأنبا برسوم[18] العريان، ولا تُناسب قديس مسكوني مثل القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان في كل العالم.

ب. في عهد أسقفيته:
اهتمامه بنقل جزء من رفات الشهيد مار جرجس لكنيسة سمنود:
بعد سيامته الأسقفية أراد أن يحتفظ ببركة الشهيد العظيم مار جرجس الروماني، فأخذ جزء من الذخيرة المقدسة التي حملها من دير أنبا صموئيل أيام قسوسيته، إلى مقر عمله الجديد كأسقف لسمنود، حيث أودعها هناك وهي لا تزال محفوظة هناك حتى الآن. ومما هو جدير بالذكر أنه نُقل جزء من هذه الرفات المقدسة فيما بعد إلى كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بمدينة دمياط، بالإضافة إلى رفات سميه الشهيد العظيم مارجرجس المزاحم، في ظروف معينه، شرح تفاصيلها القمص بيشوي عبد المسيح[19].

ومما يؤكد تلك المعلومة أن الأنبوبة التي تحوي هذه الرفات المقدسة بكنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بدمياط منقوش عليها عبارة باللغة العربية، نصها كما يلي:

[السلام لسيدي جاورجيوس أذكر يارب عبدك المهتم بهذه الأنبوبة الأنبا ميخاييل أسقف سمنود وما حولها 1187][20].
وهذا أخر ما توصلنا إليه حتى الآن من أخبار هذا الحبر المِفضال.