القمص انجيلوس جرجس شنودة
كان جستنيان يظن أنه بوجود مشكلة داخلية في الكنيسة يمكنه أن يسيطر على الإيمان إذ أصبح هو الحكم فيمن يجلس على كرسي مارمرقس. وكما قلنا إن الملكة ثيؤدورا طلبت أن ترسل هي فريق من القانونيين ليبحثوا كيفية جلوس كل من البابا ثيؤدوسيوس وقيانوس اليولياني الذي كان رئيس شمامسة في الكنيسة خوفاً منها من إرسال خلقيدونيين ويضعوا على الكرسي المرقسي أحد أعوانهم.
فجاءت اللجنة إلى الإسكندرية فاستقبلهم الوالي لأنهم في مهمة رسمية وأطلعهم على صحة جلوس قيانوس لأنه أخذ رشوة من يوليانوس المهرطق، ولكنهم لم يأخذوا بكلام والي الإسكندرية، بل فحصوا الأمر بالتدقيق واستمعوا إلى مئة وعشرون أسقف وكاهن وأرخن في الإسكندرية وعرفوا حقيقة الأمر.
وبينما هم في طريقهم إلى كتابة التقرير لإنهاء مهمتهم جاء قيانوس واعترف بكل ما فعله وإنه نادم عما فعله وطلب الحل والصفح من البابا ثيؤدوسيوس الذي أعاده إلى رتبته رئيس شمامسة.
وعاد الوفد القانوني ورفعوا التقرير الذي يؤكد فيه أن البابا الثالث والثلاثون للكرازة المرقسية هو البابا ثيؤدوسيوس. ولكن تخيل جستنيان إنه قد صار له فضل على البابا ثيؤدوسيوس لأنه أقر جلوسه على الكرسي وإنه بهذا يمكنه أن يخضع له ويوافق على خلقيدونية، فأرسل للبابا رسلاً ومعهم رسالة منه مكتوب فيها: "إنه إذا اعترف بمجمع خلقيدونية وأقر إيمان منشور لاون إنه إيمان الكنيسة القبطية سيجعله بطريركاً على كل أفريقيا بجانب كرسي الإسكندرية".
وكان هذا أمام والي الإسكندرية والأساقفة والكهنة فقال البابا لمندوبين الإمبراطور أنها نفس طريقة الشيطان حين جرب السيد المسيح وقال له: "أعطيك هذه الممالك أن سجدت لي، هكذا أيريد القيصر أن يجعلني غريباً ومتعدياً على السيد المسيح بإيمان خلقيدونية في مقابل سلطان أرضي".
ثم وقف أمام الجميع وقال بكل قوة لمندوبين الإمبراطور: "ليس لمولاكم سلطان إلا على جسدي الفاني، ولكن نفسي وروحي في يد مخلصي، والآن هوذا البيعة وكل ما فيها أمامكم ومهما أُمرتم فأفعلوه. أما أنا فسأحافظ على إيمان الآباء الذين قبلي أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس الذين صرت أنا نائباً عنهم بغير استحقاق. وقال محروم مجمع خلقيدونية ومحروم من يؤمن بمنشور لاون وكل من يناصره. من يحب اللـه فليتبعني". وحاول الخروج فمنعوه الجنود وظل محتجزاً يوماً ولكن لم يستطع الوالي أن يقبض عليه ويلقيه في السجن لأن الشعب كان في حالة هياج شديد لأجل البابا.
وترك البابا الإسكندرية وأخذ مركباً وذهب إلى أديرة الصعيد وظل أربع سنوات يطوف المدن والقرى والكنائس والأديرة يعلم ويحذر من خطورة الفكر الخلقيدوني وكان معه القديس ساويرس الأنطاكي حتى تنيح عام 538م.
ورجع مندوبين القيصر وأخبروه بما فعله فاغتاظ من البابا، وأحضر جستنيان راهب خلقيدوني من طرسوس اسمه بولس وأمر بطريرك القسطنطينية أن يقيمه بطريركاً على الكنيسة القبطية وكرسي مارمرقس، وأرسله إلى الإسكندرية محاطاً بكتيبة من الجيش البيزنطي، ولكن رفضه الشعب القبطي وكانوا ينادون عليه ويقولون له: "يهوذا الثاني" فعاد إلى القسطنطينية وقال للقيصر أن الأقباط رفضوه وأنهم يهربوا منه كما يهرب الحمل من الذئب، وأن الأقباط لم يحضروا معه القداسات. فكان رد جستنيان أن أصدر أمراً بإغلاق كل الكنائس فبني الأقباط كنائس أخرى، فأمر جستنيان بفتح كل الكنائس وجعلها في ملكية الخلقيدونيين حتى الكنائس الجديدة.
وقبض الوالي على شماس اسمه بيؤس بمكيدة عملها بولس بطريرك الخلقيدوني، وعذب الوالي هذا الشماس حتى استشهد، فهاجت الإسكندرية فأرسل جستنيان فريق للتحقيق وأثبت إدانة بولس والوالي. فأصدر جستنيان أمراً بنفي بولس وإعدام الوالي وتعيين غيره وأرسل بطريرك أخرى خلقيدوني اسمه زيلوس فكانت معاملة الأقباط له مثل سلفه.
فأرسل جستنيان مندوبين إلى الإسكندرية يدعون البابا ثيؤدوسيوس إلى الحضور إلى القسطنطينية للتشاور وكان البابا لا يزال في الصعيد، ولكن والي الإسكندرية أمر كل جنوده في كل مصر بالبحث عن البابا. وشعر البابا بأنه لابد من مواجهة الأمر فعاد إلى الإسكندرية وتقابل مع مندوبين جستنيان وقال لهم: "أنه سأتي معكم واستودع نفسي في يدي ملكي ربنا يسوع غير خائف ولا مرتاع مما سيحدث لي". وكان يقول هذا ليستمع الشعب إنه ذاهب بإرادته. وكان الإمبراطور قد أرسل للبابا سفينة خاصة لنقله إلى القسطنطينية/ ولكن ما حدث هناك كان حلقة هامة من جهاد كنيستنا في الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين