محرر الأقباط متحدون
ترأس صباح اليوم، قداسة البابا فرنسيس، في ساحة القديس بطرس، بالفاتيكان كونسيستوارًا عامًا عاديًّا عيّن خلاله واحد وعشرين كاردينالًا جديدًا من بينهم بطريرك القدس للاتين، بييرباتيستا بيتسابالا، والمطران كلاوديو غوجيروتّي، عميد دائرة الكنائس الشرقية.
شارك في الاحتفال غبطة أبينا البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، وأصحاب الغبطة، بطاركة الشرق الكاثوليك، وبطاركة الكنائس الأخرى، والآباء المطارنة والأساقفة، والكهنة، كما شارك أيضًا من الكنيسة الكاثوليكية بمصر المونسينيور أنطوان توفيق، نائب مطران الكنيسة اللاتينية بمصر.
وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها إذ أفكّر في هذا الاحتفال، ولاسيما فيكم، أيها الإخوة الأعزاء، الذين ستصبحون كرادلة، يبادر إلى ذهني هذا النص من أعمال الرسل. إنه نص أساسي: رواية العنصرة، معمودية الكنيسة... لكن في الواقع انجذب فكري إلى تفصيل: إلى ذلك التعبير على فم اليهود الذين كانوا آنذاك يقيمون في أورشليم. وكانوا يقولون: نحن فرثيون وميديون وعيلاميون... وغيرهم. هذه القائمة الطويلة من الشعوب جعلتني أفكر في الكرادلة، الذين، وبنعمة الله، يأتون من جميع أنحاء العالم، ومن مختلف الأمم. ولهذا السبب اخترت هذا المقطع البيبلي. ثم بالتأمل حوله، تنبّهت لنوع من "المفاجأة" التي كانت مخبأة في هذا الترابط من الأفكار، مفاجأة بدا لي فيها، بفرح، أنني أرى، إذا جاز التعبير، روح دعابة الروح القدس.
تابع البابا فرنسيس يقول ما هي هذه "المفاجأة"؟ إنها تتمثل في حقيقة أننا نحن الرعاة، عندما نقرأ عادة رواية العنصرة، نرى أنفسنا في الرسل. ومن الطبيعي أن يكون الأمر هكذا. أما هؤلاء "الفرثيين، والميديين، والعيلاميين" وغيرهم، الذين ربطتهم في ذهني بالكرادلة، لا ينتمون إلى مجموعة التلاميذ، وهم خارج العلية، وجزء من ذلك "الحشد" الذي "تجمع". لدى سماعهم دوي كريح عاصفة. كان الرسل " جليليين بأجمعهم"، بينما كان الذين تجمّعوا "من كل أمة تحت السماء"، تمامًا مثل الأساقفة والكرادلة في زمننا.
أضاف الأب الأقدس يقول هذا النوع من تبادل الأدوار يجعلنا نفكّر، وإذا نظرنا بعناية، هو يكشف منظورًا مثيرًا للاهتمام، أود أن أشاركه معكم. يتعلق الأمر بأن نطبق على أنفسنا - وسأضع نفسي في المقام الأول أيضًا - خبرة هؤلاء اليهود الذين، بعطية من الله، وجدوا أنفسهم روادًا لحدث العنصرة، أي "معمودية" الروح القدس التي سمحت بولادة الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية. سألخص هذا المنظور على النحو التالي: أن نكتشف مجدّدًا بدهشة عطيّة أننا قد نلنا الإنجيل "بلغاتنا"، كما يقول هؤلاء الأشخاص. أن نعيد التفكير بامتنان في عطية أن نكون قد بُشِّرنا وأُخذنا من الشعوب التي، كل في وقتها، قبلت البشارة، وإعلان سر الخلاص، وبقبوله اعتمدت بالروح القدس وأصبحت جزءا من الكنيسة. الكنيسة الأم، التي تتكلم بجميع اللغات، وهي واحدة وكاثوليكية.
تابع الحبر الأعظم يقول إنَّ هذه الكلمة من سفر أعمال الرسل تجعلنا نفكر أنه قبل أن نكون "رسلًا"، قبل أن نكون كهنة وأساقفة وكرادلة، نحن فرثيون وميديون وعيلاميون. وهذا ينبغي أن يوقظ فينا الدهشة والامتنان لأننا نلنا نعمة الإنجيل في شعوبنا الأصلية. أعتقد أن هذا مهم جدًا ولا يجب أن ننساه. لأن هناك، في تاريخ شعبنا، أود أن أقول في "جسد" شعبنا، صنع الروح القدس معجزة نقل سر يسوع المسيح الذي مات وقام. وقد وصل إلينا "بلغاتنا"، على شفاه وفي تصرفات أجدادنا وآبائنا، وأساتذة التعليم المسيحي، والكهنة، والرهبان... يمكن لكل واحد منا أن يتذكر أصواتًا ووجوهًا ملموسة. إنَّ الإيمان ينتقل "باللغة المحكيّة" عن طريق الأمهات والجدات. في الواقع، نحن مبشرون بقدر ما نحفظ في قلوبنا الدهشة والامتنان لكوننا قد بُشِّرنا، لا بل لأننا مُبشَّرين لأن الأمر في الواقع يتعلّق بعطية آنية على الدوام، تتطلب أن تتجدد باستمرار في الذاكرة وفي الإيمان.
أضاف الأب الاقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، أيها الكرادلة الأعزاء، إن يوم العنصرة، مثل معمودية كل واحد منا، ليس حقيقة من حقائق الماضي، بل هو عمل خلاق يجدده الله باستمرار. والكنيسة – وكل فرد من أعضائها – تعيش من هذا السر الآني على الدوام. هي لا تعيش "من راتب تقاعدي"، ولا من تراث أثري، مهما كان ثميناً ونبيلاً. إنَّ الكنيسة، وكل معمد، يعيشان من حاضر الله، من خلال عمل الروح القدس. وكذلك الفعل الذي سنقوم به هنا الآن يأخذ معنى إذا عشناه في هذا المنظور الإيماني. واليوم، في ضوء كلمة الله، يمكننا أن نفهم هذه الحقيقة: أنتم أيها الكرادلة الجدد قد أتيتم من أنحاء مختلفة من العالم، والروح نفسه الذي خصّب تبشير شعوبكم يجدد الآن فيكم دعوتكم ورسالتكم في الكنيسة ومن أجل الكنيسة.
تابع البابا يقول من هذا التأمل، المستمد من "مفاجأة" خصبة، أود ببساطة أن أستخلص نتيجة لكم، أيها الإخوة الكرادلة، ولمجمعكم. وأود أن أعبر عن ذلك بصورة الأوركسترا: إن مجمع الكرادلة مدعو لكي يتشبّه بأوركسترا سيمفونية، التي تمثل سيمفونية الكنيسة وسينودسيّتها. وأقول أيضًا "السينودسية"، ليس فقط لأننا عشية انعقاد الجمعية الأولى للسينودس التي تتناول هذا الموضوع بالتحديد، وإنما لأنه يبدو لي أن استعارة الأوركسترا يمكنها أن تنير بشكل جيد الطابع السينودسي للكنيسة. سيمفونية تعيش من التركيب الحكيم لأصوات الآلات المختلفة: كل واحدة تقدم مساهمتها، أحيانًا بمفردها، وأحيانًا بالاتحاد مع آلة أخرى، وأحيانًا مع المجموعة بأكملها. إنَّ التنوع ضروري، ولا غنى عنه. ولكن يجب على كل صوت أن يساهم في المخطط المشترك. ولهذا السبب، يعد الاصغاء المتبادل أمرًا أساسيًا: يجب على كل موسيقي أن يُصغي للآخرين. إذا أصغى الموسيقي إلى نفسه فقط، مهما كان عزفه رائعًا، لن يجدي نفعًا للسيمفونية؛ وسيحدث الشيء نفسه إذا لم يصغِ أحد أقسام الأوركسترا إلى الأقسام الأخرى، وعزف كما لو كان بمفرده، وكما لو كان الكل بالكل. ومدير الأوركسترا هو في خدمة هذا النوع من المعجزة التي تكون في كل مرة تُعزف فيها سيمفونية ما. عليه أن يصغي أكثر من أي شخص آخر، وفي الوقت عينه تتمثل مهمته في مساعدة كل فرد والأوركسترا بأكملها لكي يطوّروا إلى أقصى حد الأمانة الخلاقة، أمانة للمعزوفة الذي يتم إداءها، بأسلوب خلاق، قادر على أن يعطي روحًا لمُدَوَّنَة النغمات الموسيقية ويجعل صداها يتردد هنا والآن بطريقة فريدة من نوعها.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، سيساعدنا أن نجد انعكاسنا في صورة الأوركسترا، لكي نتعلم بشكل أفضل كيف نكون كنيسة سيمفونية وسينودسية. أقترح عليكم ذلك بشكل خاص أنتم، يا أعضاء مجمع الكرادلة، في الثقة المعزية بأن لدينا الروح القدس كمعلم: معلم داخلي لكل واحد ومعلم للسير معًا. هو يخلق التنوع والوحدة، وهو الانسجام نفسه. ونوكل أنفسنا إلى إرشاده العذب والقوي، وإلى حماية مريم العذراء المحبة.