( بقلم / أشرف ونيس )
بحثت عن موطئ قدم لها بين غابر الأزمنة و لحظاتها الآنية ، تعثرت خطواتها بين مشقة الطرقات و انكساراتها الحادة ، ضلت الوصول إلى موضع راحتها حيث بيتها و وطنها و مسقط رأسها ...... و ما كان ذلك سوى لكثافة سحب أنهُرها و دماسة لياليها الليلاء ........ ، و هكذا باتت ( السعادة ) خالية من كل ما يضفي عليها بعضًا من الابتسامات و شيئا من الضحكات حيث خلت القلوب منها بل هى التى ما وجدت راحتها بين تلك القلوب و أصحابها ، وقت أن تفاعلت الأذهان مع القلوب آمرة إياها بأن تغدق جهدا جهيدا بحثا و نبشا بين نفايات المادة و مضامينها الفارغة عن قبس من الفرح و ومض من السرور !!!

تزحزح اليقين عن موضعه وقت أن تشرذمت الحقيقة و محتواها الثمين إلى بعض من الأجزاء التى اخترقها سراب الزيف و اضمحلال الحق ، فلم تعد السعادة بكل ما تحتويه من سكينة و صفاء و سلام نابعة من باطن الإنسان و كيانه الداخلي ، لكنها تسربلت عن دون رغبة منها بوهن الثبات و ضعف الإثبات ، وقت أن كان الخارج هو ما يصنع بل يخلق ثوب السعادة و فحواها في نظر ضعيفى البصر و فاقدي البصيرة ! لكنها لم تلبث إلا حينا حتى صرخت مدوية بصوتها ، مسرعة من قلوب و أفئدة من وجدوها بين أحضان الأشياء و فقدانها المؤكد ، باحثة عن راحتها و اريحيتها فى أنفس قد مزجت قمة الإنسانية فى معناها الحق بالارضاء ب القليل كما الكثير  و الزهيد كما عظيم القدر و رفيع الكم .

سيظل فاقدا لمعنى السعادة و كنهها مَن لهث عن وجودها و كينونتها العصماء بين ما يمكن أن يباع بالمال و يشترى ببعض منه ، فليس على سطح ما نطأه بأقدامنا من يابس و تراب شيئا دائمًا باعثا للابتهاج و مجلبا للاغتباط ، فلقد كان و مازال و سيظل عالم الروح هو صرحًا و مقرًا و بيت السعادة الأزلي الأبدي ، منه تصول و تجول فتستجدى من استجدى قدومها إليه ، غاضض النظر فى ذلك عن كل ما له شكل أو ملمس ، واضعا في قرارة أعماقه و نفسه أن ديمومة وجودها متماهية و ممتزجة بكل ماهو روحي و غير مرئي و ليس للمادة نصيب أو قسمة أو حظوة فى ذلك .

لحظات تائهة ، أيام ضائعة ، سنون ذاهبة إلى لحد وجودها ، كان ذلك من أعمار من ضلوا الدرب و الطريق ، شاخصين إلى السعادة فى غير موضعها و وجودها ، خالطين في ذلك بين أفراح وقتية تأتي لتذهب أو قل إنها تتوارى قبل أن تكون و بين السعادة كقيمة هى منهاج للحياة و نهج للعيش و التعايش على طول الخط الذي يبدأ عنده انبثاقنا من رحم العدم إلى مثوانا الأبدي و الاخير ، فياليت الأذهان تعدل عن ظلام الضلال إلى ضوء و ضياء الحقيقة القابعة فى قلب الحق غير القابل للانقسام أو الفصل بأى حال كان أو سيكون ؛ بأن السعادة هى حالة داخلية ، غير موجودة فى الأشياء و زوالها اليقيني ، بل تستمدها القلوب و الأنفس من خارجها ، ليس من مرمى أفقها بل من فوق حيث عالم الروح و دنا الأرواح !!!