حمدي رزق
ما ولّاهم عن قبلتهم السياسية.. فى هذا يُقال الكثير، ما هو (خاص) مزعج وما هو (عام) مؤلم، ولكن المسافة بين الموالاة والرفض ليست حلمًا نقطعه فى ليلة صيف، والطريق من التأييد غير المشروط إلى الرفض العقور لا يُقاس بالفيمتو ثانية.. ليس هكذا تورَد الإبل.
ظاهرة المنقلبين صحفيًّا وفضائيًّا وإلكترونيًّا التى طفت على السطح أخيرًا تستأهل التوقُّف والتبيُّن، لماذا ينقلب البعض بين عشية وضحاها، تعوزنا الأسباب، وتحوطًا لا نُخون أحدًا، بلى، ولكن ليطمئن قلبى، هل كانت الموالاة يقينية نابعة عن إيمان بالمشروع الوطنى كحلم وطن تعبر عنه حكاية وطن، أم كانت مصلحة شخصية وقتية مداهنة موالسة مخاتلة، لهم فيها مآرب أخرى؟!.
الدولة المصرية بعد سنوات عجاف تعانى.. وطبيعى أن تقاسى الأمَرَّيْن، وليس فى هذا جديد على الأسماع، والكل كليلة، حتى الطفل فى رحلة المدرسة الصباحية يدرك حجم المعاناة، وحجم الخسائر التى مُنيت بها البلاد فى سنوات الفوضى التى ضربت البلاد، كانت عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ.
والتدمير الذى لحق بالمؤسسات ليس بخافٍ، ضربتها الفوضى، والكلفة الرهيبة لإقامة عمد الأمن والأمان والاستقرار، وتجاوز مرحلة العجز والقعود واليأس والقنوط، مرحلة كُتبت علينا، وكما شاعر العربية الكبير «أبوالعلاء المعرى»: «مشيناها خطى كُتبت علينا.. ومَن كُتبت عليه خطى مشاها ومَن كانت منيته بأرض فليس يموت فى أرض سواها!».
وليس خافيًا على المصريين حجم التحدى، وحساسية المرحلة، ومحاولة النهوض بعد سقوط من علٍ فى براثن جماعة إرهابية تسفك الدماء وتستبيح الأعراض، وتشن حربًا دينية على البلاد والعباد.. كلفتنا ما لا نحتمل من خسارة ولاتزال جماعة الإفك والبهتان تتاجر فى الخسارة وتتبضع مكاسب رخيصة على جثث المصريين.
الظاهرة ليست فى تقلب بعض الأقلام والأفواه من الموالاة إلى رفض سياسات وأفكار مَن هم فى الحكم، هذا طبيعى ويحدث، وهناك تفهم لهذا الحراك السياسى الذى يعقب ثورة مزدوجة عظيمة (25/ 30)، لسنا عبيد السمع والطاعة، وليس مطلوبًا منا تقبيل الأيدى.
ولكن تحوُّل البعض من التأييد الكامل إلى العداء السافر خليق بتبيُّن الظاهرة المستجدة والتوقف عند أسبابها، التحولات لا تأتى هكذا فجأة، وتَقلُّب الوجوه لا يجرى هكذا بين عشية وضحاها.
واجب الحيطة والحذر والتفرقة بين ما هو منقلب منفلت اللسان، وبين معارض ثابت الجنان مستقيم اللسان، وحتى المعارضة الوطنية المعتبرة عليها واجب الحذر، فبدون تبصر أو تحقق أو تدقيق قد يجرف موج البحر الهائج أقلامًا وطنية عن قبلتها، وتصب فى خانة الإخوان، والإخوان مالهمش أمان.
معلوم أن السلطة ليست فى حاجة إلى أقلام ملونة، ولا أفواه بغبغاوية سقيمة اللغو، ولكن الوطن فى ظل هذا الظرف الصعيب فى شوق إلى كل حرف مغموس فى حبر الوطن، لا يحيد عن قبلته أبدًا، وهنا مساحة تجلِّى المعارضين الوطنيين، والتى يستحلها المنقلبون، ويبرزون كمعارضين، وهم ألَدّ الخصام.
ما أخشاه هو ميل البعض للانقلاب والانحراف والانجراف وراء حماسة الفيس وتويتر والذى منه بذاتية محضة لإثبات أن معارضة اليوم لم تكن أبدًا، أو شجاعة اليوم لم تُواتِه أمس، أو الخروج عن السياق الوطنى فى سباق لحصد إعجابات أو لتسجيل قراءات أكثر لما يكتب، ويُشيِّرها الإخوان والتابعون تشييرًا.. ربنا ما يوَرِّيك شر المؤيدين إذا انقلبوا، فجَرُوا فى الخصومة!.
نقلا عن المصرى اليوم