د. رامي عطا
يحتفل المصريون هذا العام باليوبيل الذهبى لانتصارات السادس من أكتوبر المجيدة (1973- 2023م)، حيث يمر خمسون عامًا على هذا الانتصار، وهى مناسبة قومية تمثل لحظة فارقة ومحطة مُهمة فى تاريخ المصريين الحديث والمعاصر.
فقد استرَدَّ المصريون أرضهم واسترَدَّ الجيش المصرى عزته وكرامته، حين دافع المصريون عن حقهم بالحرب، مؤكدين أيضًا رغبتهم فى السلام القائم على العدل واحترام الحقوق وعدم التعدى على الآخرين. وكانت الفترة التى سبقت أكتوبر، والفترة التى تلتها، مثالًا للتعاون والتعاضد والاتحاد والتكاتف والالتفاف حول هدف قومى مشترك، ما يجعله حدثًا مُهمًّا ومُلهمًا، ليس فى الذاكرة الوطنية فحسب، ولكن أيضًا فى الحاضر الذى نعيشه والمستقبل الذى نتطلع إليه.
ولأنه حدث كبير وجلل، ففى كل عام تهتم الصحف وغيرها من وسائل الإعلام، حيث المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية، بتذكرة المواطنين وإعادة تقديم انتصار أكتوبر وبطولاته للقراء وجمهور الإعلام من خلال الكلمة المكتوبة والصورة الفوتوغرافية والمواد الفيلمية، إضافة إلى الأعمال الأدبية والأعمال الدرامية، فى الإذاعة والتليفزيون والسينما، ما جعل ذكرى أكتوبر تعيش فى وجدان المصريين، من مختلف الفئات والأعمار، يتناقلونها من جيل إلى جيل.
وفى تقديرى، فإن قراءة التاريخ قراءة واعية ومتأنية لمختلف الحقب والفترات، من حيث الوقائع والأحداث والرؤى والأفكار، لها فوائد كثيرة ومكاسب متنوعة، فهى تحقق التواصل بين الأجيال المتعاقبة، وتبنى الذاكرة الجمعية، وترسخ الهوية الوطنية، وتزيد من حالة الانتماء للوطن، وتنقل العِبر والدروس المستفادة للأجيال الحالية.. لأن التاريخ فى حقيقته ليس ماضيًا فحسب، وإنما هو حاضر ومستقبل أيضًا.
وتجدر الإشارة هنا إلى دراسة متميزة أعدتها الباحثة الجادة سالى عاطف، المدرس المساعد بقسم الصحافة بإحدى الجامعات الخاصة، تحت عنوان: «تمثيلات حرب أكتوبر فى الصحافة المصرية: دراسة تتبعية فى آليات الحضور والغياب فى الخطاب الصحفى»، وهى دراسة نالت بها درجة الماجستير عام 2021م من قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور محمد حسام الدين، وقد صدرت مؤخرًا فى كتاب عن إحدى دور النشر.
استهدفت الدراسة التعرف على كيفية تغطية الصحف المصرية، القومية والحزبية والخاصة، لذكرى حرب أكتوبر، ودرجة اختلاف هذه التغطية طبقًا لأنماط ملكية الصحف (قومية وحزبية وخاصة)، وبين الصحف داخل الملكية الواحدة، ومدى تأثير النظام السياسى، عبر سنوات عدة ومنذ أكتوبر 1973م، على تناول أهم أحداث الحرب فى تلك الصحف، فى ضوء نظرية الخطاب (مدرسة اللغويات النقدية، والمدرسة الثقافية)، بهدف تحليل النص الإعلامى من زاوية تأثيره فى خلق الوعى لدى الجمهور للإجابة عن سؤال جوهرى هو: هل تمكنت الصحف المصرية- فى حقب زمنية مختلفة- من خلق صورة حقيقية كاملة عن أحداث حرب أكتوبر؟.
وقد استعانت الباحثة أيضًا بنموذج الدعاية، الذى يقر بأن النص الإعلامى يمر بخمس مرشحات، هى الملكية والإعلان ومصادر المعلومات والنقد السلبى وصناعة عدو، فى تفسيره للعلاقة بين الصحف المصرية والنظم السياسية، ومن ثَمَّ التعرف على التوجهات الفكرية التى عكستها الصحف المصرية فى تغطيتها لذكرى حرب أكتوبر.
وقدمت الباحثة فى رسالتها مجموعة مهمة من التوصيات والمقترحات، منها: دعوة وسائل الإعلام والمجتمعات المدنية إلى الإسهام فى توعية المجتمع المصرى بالتاريخ الحديث، وتحديدًا فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى.
وأن تكون المواجهة بالفكر وليس بالسلاح، من خلال دراسة الفكر والمجتمع الإسرائيلى؛ وإحياء رموز حرب أكتوبر مثل المشير عبدالغنى الجمسى والفريق سعد الدين الشاذلى وغيرهما من القادة والضباط الأبطال المجهولين فى كتب التاريخ بالمناهج الدراسية؛ وأنه على الباحثين ومراكز الأبحاث العربية الاهتمام بالبحث فى الأحداث التاريخية المُهمَّشة.
وإعادة دراسة المناسبات القومية فى الصحف القومية ورصد تأثير النظام السياسى بها؛ وتعاون أجهزة الدولة فى إتاحة وثائق أصلية عن حرب أكتوبر حتى يقوم الصحفيون والأكاديميون بدورهم فى ترسيخ حدث مثل حرب أكتوبر فى التاريخ المصرى بشفافية وموضوعية.
كل عام والمصريون فى خير وسلام.. يحلمون، ويعملون من أجل جمهورية جديدة تليق بمكانة مصر وآمال المصريين وتطلعاتهم.
نقلا عن المصري اليوم