د. سامح فوزى
يتصل التعليم- بحكم التعريف- بتكوين الأجيال القادمة، وبخاصة النشء والشباب. ومن الطبيعي أن تُثار دائما أسئلة تتعلق بتعدد أنظمة التعليم، والمناهج الدراسية، ومدى ارتباطها بسوق العمل، والكتاب المدرسي، وأنظمة الامتحانات، وتطوير المنشآت التعليمية، وأوضاع المعلمين، وغيرها. وينشغل الناس عادة بالجوانب الفنية في التعليم، بحكم أنها ترتبط مباشرة بأوضاع الطلاب والطالبات، ومن خلفهم الأسر التي يشغلها التعليم، وارتفاع تكلفته، وتعدد أشكاله، وتراجع جودته. ولكن الجانب الذي لا يلقى انتباهًا مماثلا رغم أهميته هو التكوين الوجداني لهؤلاء النشء والشباب، الذين تحيط بهم تحديات جمة من كل الاتجاهات. أولها: رسائل التشكيك والتفكيك والشائعات واللا معنى التي تغمرهم من وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا تنقل لهم معرفة منظمة بناءة، بقدر ما تحيطهم بحالة من الاضطراب، والتشوش، والتأثر بالأفكار الغريبة. ثانيها: ضعف البناء الوطني، فالأجيال الحالية لم تعش الأحداث الكبرى التي أثرت في تكوين الوطن، ولا تعرف عنها سوى القشور، وعادة يكون مصدرها الأعمال الفنية، وليست مصادر معرفة حقيقية. وفي عالم الفن لا نجد تأريخًا لحدث، بقدر ما هو معالجة درامية له. فما يعرفه النشء والشباب عن ثورة 1919، أو انتصار 6 أكتوبر 1973، نابع في الأساس من الأفلام السينمائية، والمسلسلات التلفزيونية أو شذرات من المعلومات المتناثرة المتأثرة بلغة الحكي، والروايات الشفهية المنقولة. ثالثها: تراجع ما يمكن تسميته التكوين المدني أو التربية المدنية التي تقوم على تنشئة الجيل القادم على مفاهيم المشاركة والحوار والتنوع وقبول الآخر، وهي أساس تكوين المجتمع المتحضر، وعنوان رقيه. ورابعها: التحدي الأخلاقي الذي تغذيه المشكلات الاقتصادية والزيادة السكانية وتراجع القيم مما يجعل نظرة الأجيال الصاعدة مادية، تقوم على المزاحمة، والاندفاع، والصخب، والعنف. وخامسها: اهتزاز الثقة بالمستقبل، بفعل حملات التشكيك التي تحيط بالجيل الجديد، وأحاديث التشاؤم التي يرددها العوام في الشارع، وتراجع المشاركة في الشأن العام، بخاصة التنمية، والتي من الممكن أن تشكل في ذاتها مصدر توازن نفسي للنشء والشباب، ويجعلهم يتطلعون باستبشار إلى المستقبل، مهما كانت تحديات الواقع.

أين التعليم من كل ذلك؟ ما نقرؤه، ونتابعه عن التعليم، يقتصر فقط على العملية التعليمية، ما لها وما عليها، دون أن نجد أي حديث آخر عن التكوين الوجداني للأجيال القادمة. من هنا رحبت قطاعات عديدة من الناس بقرار وزارة التعليم بتضمين سيرة الفنانة سميحة أيوب في مناهج الصف السادس الابتدائي، ورأوا في ذلك خطوة مهمة على طريق إحاطة الطلاب والطالبات برموز الثقافة والفن. ولكل هذا لا يكفي، ولا أظن أنه سوف يغير من ثقافة وفكر ملايين من النشء والشباب، تحيط بهم ثقافة التشكيك في الدولة من ناحية، وأفكار دينية متزمتة من ناحية أخرى. هل يعرف هؤلاء الطلاب شيئًا يسيرًا عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومبادرة حياة كريمة، وتطوير العشوائيات، الخ؟أكثر من ذلك، هل يدرك المعلم الذي يواجه الطلاب والطالبات في فصول مغلقة أهمية دوره في التنشئة الوطنية للجالسين أمامه؟ ماذا يقول لهم؟ وفي أي شيء يتحدث إليهم؟ أسئلة رغم أهميتها من الصعب الإجابة عليها، وهو ما تحتاج المؤسسة التعليمية لمعرفته، ووضع خطط وبرامج تدريبية للمعلمين ترقى بقدراتهم الفنية من جانب، وبمستوى إلمامهم بالثقافة الوطنية من جانب آخر. فإذا كان الكتاب المدرسي هو المنهج المعلن، فإن علاقة الطلاب بالمدرس هو المنهج الخفي، الذي لا نعرفه، رغم أهميته في التوجيه الذهني والسلوكي للشباب. ولا يجب أن نتغافل عن حقيقة مهمة أن المتطرفين يضعون دائما المدرسة في بؤرة اهتمامهم، لأنهم يدركون أنها المؤسسة التي يستطيعون من خلالها تشكيل ذهن ووجدان أجيال شابة سوف تلازمهم بقية حياتهم. وكم رأينا في السابق مدارس قامت على تنشئة التلاميذ على كراهية الدولة، ومنع تحية العلم، وحظر الأعمال الفنية، والأنشطة الثقافية، والفصل بين الجنسين، وغيرها من الممارسات التي حولتها بالفعل إلى أدوات في التنشئة الأيديولوجية للحركات الإسلامية. وقد شكلت الحكومة عقب 30 يونيو 2013 أكثر من لجنة لتنقية المناهج مما علق بها من آراء متطرفة، ومراجعة النظام المدرسي، خاصة في المدارس التي هيمن عليها الإسلام السياسي، وهو الأمر ذاته الذي قامت به وزارة التربية والتعليم في عهد الراحل الدكتور حسين كامل بهاء الدين في تسعينيات القرن العشرين، وما أشبه الأيام رغم تباعدها، فلا تزال المخاطر نفسها تحيط بمؤسسة التعليم، وكأنها جولات متعاقبة من مواجهة الدولة المصرية لمحاولات ظاهرة ومستترة لفرض التطرف على التعليم.
نقلا عن الاهرام