محرر الأقباط متحدون
مقدّمة البابا فرنسيس لكتاب يجمع مداخلتين له الأولى من عام ١٩٩١ عندما كان رئيس أساقفة بوينس آيرس والثانية من رسالته لكهنة أبرشية روما عام ٢٠٢٣.

صدر يوم الجمعة ٦ تشرين الأول أكتوبر عن دار النشر التابعة للكرسي الرسولي مجلّد بعنوان "قديسون لا دنيويّون، نعمة الله التي تخلّصنا من الفساد الداخلي"، كتب مقدّمته البابا فرنسيس ويجمع هذا النص مداخلتين لخورخي ماريو بيرغوليو تم نشرهما في أوقات ومناسبات مختلفة: مقال يعود تاريخه إلى عام ١٩٩١، مع العنوان الأصلي Corrupción y pecado (الفساد والخطيئة)، ثم أعيد نشره في عام ٢٠٠٥ عندما كان بيرغوليو رئيس أساقفة بوينس آيرس؛ والثاني، الرسالة إلى كهنة أبرشية روما، الصادرة في ٥ آب أغسطس ٢٠٢٣. وكما كتب البابا فرنسيس نفسه في المقدمة التي تفتتح المجلد، إن النية في الرغبة في نشر هذا النص يحركها سبب محدد: "القلق الذي أشعر به كدعوة قوية من الله إلى الكنيسة جمعاء، لكي تبقى متنبّهة وتكافح بقوة الصلاة ضد أي استسلام للدنيوية الروحيّة".

كتب البابا فرنسيس إن الإيمان المسيحي هو كفاح، معركة داخلية للتغلب على تجربة الانغلاق في الأنا والسماح لمحبة الآب الذي يريد سعادتنا بأن تسكننا. إنه كفاح جميل، لأننا عندما نسمح للرب بأن يمتلكنا، يبتهج قلبنا بكل امتلاء، وتستنير حياتنا بشعاع لامتناه. إن الكفاح الذي نناضل من أجله كأتباع ليسوع هو أولاً وقبل كل شيء ضد الدنيوية الروحية، التي هي وثنية مُقنَّعة بزيٍّ كنيسي. وعلى الرغم من أنها تتنّكر في شكل مقدس، إلا أنها موقف ينتهي به الأمر إلى عبادة الأوثان، لأنها لا تعترف بحضور الله كرب ومحرر لحياتنا وتاريخ العالم. بينما تتركنا تحت رحمة نزواتنا وأهوائنا.

تابع الأب الأقدس يقول لذلك، علينا أن نكافح. لكن معركتنا ليست معركة عبثية أو بدون رجاء، لأن هذه المعركة لديها مُنتصر وهو يسوع، الذي بموته هزم قوة الخطيئة. وبقيامته أعطانا إمكانية أن نصبح أشخاصًا جددًا. إنَّ انتصار يسوع بالطبع، له اسم، الصليب، الذي للوهلة الأولى ينفِّرنا ويُبعدنا. ولكنه علامة محبة لا تعرف الحدود، محبة متواضعة وشجاعة. لقد أحبنا يسوع حتى الموت المخزي مثل موت الصليب، لكي لا نشكَّ بعدها أن ذراعيه ستبقيان مفتوحتين حتى للأخير بين الخطأة. وهذا الحب الأبدي يُسائل ويوجه دروب المسيحي والكنيسة نفسها. لقد أصبح صليب يسوع المعيار لكلِّ خيار للإيمان. وقد عبّر عن ذلك الطوباوي بيير كلافيري، أسقف وهران، في إحدى عظاته بكلمات جميلة جدًا، أريد أن أُكرّرها هنا: "أعتقد أن الكنيسة تموت إذا لم تكن قريبة بما فيه الكفاية من صليب ربها. ومهما بدا الأمر متناقضًا، فإن القوة والحيوية والرجاء والخصب المسيحي وخصب الكنيسة يأتون من هناك. وليس من مكان آخر. كل شيء آخر هو مجرد دخان ووهم دنيوي. إنَّ الكنيسة تخدع نفسها والعالم عندما تقدم نفسها كقوة بين القوى، أو كمنظمة، حتى إنسانية، أو كحركة إنجيلية قادرة على الظهور. يمكنها أن تلمع ربما ولكنها لا تستطيع أن تحترق بنار محبة الله، "القويّة مثل الموت" – كما يقول نشيد الأناشيد".

أضاف الحبر الأعظم يقول ولهذا السبب بالتحديد أردت أن أجمع في هذا الكتيب نصين نُشرا في أوقات مختلفة: الأول، كتب عام ١٩٩١، ثم أعيد نشره عام ٢٠٠٥ عندما كنت رئيس أساقفة بوينس آيرس، وهو مكرس للفساد والخطيئة؛ والآخر رسالة إلى كهنة روما. ما الذي يوحدهم؟ القلق الذي أشعر به كدعوة قوية من الله إلى الكنيسة جمعاء، لكي تبقى متنبّهة وتكافح بقوة الصلاة ضد أي استسلام للدنيوية الروحيّة. هذا الكفاح له اسم: يُدعى القداسة. القداسة ليست حالة من الطوبى تتحقق مرة واحدة وإلى الأبد، بل هي الرغبة المستمرة التي لا تعرف الكلل في البقاء مُتمسِّكين بصليب يسوع، وأن نسمح بأن يصوغنا المنطق الذي يأتي من عطية الذات ومن مقاومة، العدو الذي يتملَّقنا إذ يغرس فينا القناعة باكتفائنا الذاتي. ولكن سيساعدنا أن نتذكر ما قاله لنا يسوع: "بمعزل عني لا تستطيعون أن تعملوا شيئا". وبالتالي فالقداسة هي أن نبقى منفتحين على "الأكثر" الذي يطلبه الله منا والذي يظهر في الالتزام بحياتنا اليومية. كتب الأب ألفريد ديلب: "إنَّ الله يعانقنا في الواقع". هذه هي حياتنا اليومية، المكان الذي نترك فيه فسحة للرب الذي يخلصنا من الاكتفاء الذاتي، والذي يطلب منا ذلك "الأكثر" الذي يتحدث عنه القديس إغناطيوس دي لويولا: ذلك "الأكثر" الذي يدفعنا نحو سعادة لا تزول وإنما هي كاملة وهادئة.

وختم البابا فرنسيس بالقول أقدم للقارئ هذه النصوص كفرصة للتأمل حول حياته الشخصية وحياة الكنيسة في القناعة بأن الله يطلب منا أن نكون منفتحين على حداثاته، ويطلب منا أن نكون قلقين وغير راضين أبدًا، في بحث وأبدًا مُستقرِّين في إبهام مُتكيِّف، وغير مختبئين في ضمانات زائفة، وإنما في مسيرة على درب القداسة.