كتب - محرر الاقباط متحدون 
وجه قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بمناسبة اللقاء السنوي الرابع لاقتصاد فرنسيس الذي يُعقد في أسيزي،  رسالة إلى المشاركين،  كتب فيها أيها الشباب الأعزاء، من الجميل أن ألتقيكم مرة أخرى بعد عام واحد من حدث أسيزي، وأن أعرف أن عملكم في إحياء الاقتصاد مستمر بنجاح وحماس والتزام. 
 
لقد سمعتم مني كثيرًا قولًا مفاده أن الواقع أسمى من الفكرة. ومع ذلك، فإن الأفكار تُلهم، وهناك فكرة محددة تسحرني منذ أن كنت طالبًا شابًا في اللاهوت. يُطلق عليها باللغة اللاتينية اسم "coincidentia oppositorum"، وتعني وحدة الأضداد. وفقًا لهذه الفكرة، يتألف الواقع من أقطاب متضادة، من أزواج تتعارض فيما بينها. بعض الأمثلة هي الكبير والصغير، النعمة والحرية، العدالة والحب، وهكذا. ماذا علينا أن نفعل مع هذه الأضداد؟ بالطبع، يمكننا أن نحاول أن نختار إحدى الجوانب والتخلص من الأخرى. أو، كما اقترحه الكتّاب الذين درستهم، في محاولة للتوفيق بين الأضداد، يمكن إجراء خلاصة، دون مسح أيًّا من الأقطاب، لحلها على مستوى أعلى، حيث لا تتمّ إزالة التوتّر.
 
تابع البابا فرنسيس يقول أيها الشباب الأعزاء، كل نظرية هي جزئية ومحدودة، لا يمكنها أن تدعي أنها تستطيع أن تحتوي أو تحل الأضداد بشكل كامل. وهكذا هو الحال أيضًا بالنسبة لكل مشروع إنساني. إنّ الواقع يهرب على الدوام. لذلك، كشاب يسوعي، بدت لي هذه الفكرة عن وحدة الأضداد كمفهوم فعّال لفهم دور الكنيسة في التاريخ. ولكن إذا فكرتم جيدًا، فهي مفيدة أيضًا لكي نفهم ما يحدث في اقتصاد اليوم. الكبير والصغير، والفقر والغنى، والعديد من الأضداد الأخرى موجودة أيضًا في مجال الاقتصاد. الاقتصاد هو جناحات السوق بمحلات بيع البضائع، وكذلك عقد العمليات في الأسواق المالية العالمية. هناك الاقتصاد الملموس المكوّن من وجوه ونظرات وأشخاص، من بنوك وشركات صغيرة، وهناك الاقتصاد الكبير لدرجة أنه يبدو مجردًا وهو اقتصاد الشركات الكبيرة والدول والبنوك وصناديق الاستثمار. هناك اقتصاد المال والمكافآت والرواتب العالية بجانب اقتصاد الرعاية والعلاقات الإنسانية والرواتب المنخفضة جدًا للعيش بشكل كريم. أين تكمن وحدة هذه الأضداد؟ تكمن في الطبيعة الحقيقية للاقتصاد: أن يكون مكانًا للإدماج والتعاون، وإنتاج مستمر للقيمة التي يجب إنشاؤها وتداولها مع الآخرين. إن الصغير يحتاج إلى الكبير، والملموس يحتاج إلى المجرد، والعقد يحتاج إلى العطية، والفقر إلى الغنى المشترك.
 
ومع ذلك، أضاف الحبر الأعظم يقول لا تنسوا ذلك أبدًا، هناك تعارضات لا تولِّد انسجامًا أبدًا. إنّ الاقتصاد الذي يقتل لا يتطابق مطلقًا مع الاقتصاد الذي يُحيي؛ واقتصاد الثروات الهائلة للقلة لا يتناغم من الداخل مع الفقراء الذين ليس لديهم وسيلة للعيش؛ وتجارة الأسلحة الضخمة لن يكون لها أبدًا أي شيء مشترك مع اقتصاد السلام؛ الاقتصاد الذي يلوث ويدمر الكوكب لا يمكنه أن يجد أية خلاصة مع الاقتصاد الذي يحترمه ويحميه. 
 
إن الوعي بهذه الأمور هو جوهر الاقتصاد الجديد الذي تعملون من أجله. إنّ الاقتصاد الذي يقتل ويستبعد ويلوث ويسبب الحروب، ليس اقتصادًا: يمكن للبعض أن يسموه اقتصادًا، ولكنه ليس إلا فراغًا، وغيابًا، إنه مرض، وانحراف عن طبيعة الاقتصاد نفسه ودعوته.