محرر الأقباط متحدون
ظهر اليوم الأحد أطل البابا فرنسيس من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس صلاة التبشير الملائكي وتوقف في كلمته عند مثل الكرامين القتلة وحذّر من نكران الجميل الذي يمكن أن يولد العنف، مشددا على ضرورة أن نكون ممتنين لنعمة الله وللمحبة والخلاص اللذين يمنحنا إياهما مجانا.
 
قال البابا: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، صباح الخير! يقدم لنا إنجيلُ اليوم مثلاً مأساوياً، نهايته حزينة. فقد قام صاحب أرض بزرع كرمة واعتنى بها جيداً، وإذ كان مضطرا للرحيل أوكلها إلى بعض الفلاحين. عندما حان موسم الحصاد أرسل خدامه ليأخذوا المحصول. بيد أن الفلاحين أساؤوا معاملتهم وقتلوهم، فأرسل صاحب الحقل ابنه، فقتلوه هو أيضا. كيف حصل ذلك؟ لقد أحسن صاحب الحقل التصرف، وفعل ذلك بمحبة: فقد تعب، وغرس الكرمة، وأحاطها بسياج ليحميها، حفر فيها معصرة وبنى برجاً. وسلّمها إلى كرّامين، سلمهم أثمن ما لديه، وعاملهم بإنصاف، كي يعتنوا بالكرمة وتحمل الثمر. وكان من المتوقع أن يتم الحصاد بصورة سعيدة، بأجواء من الاحتفال، مع مقاسمة منصفة للمحصول ترضي الجميع.  
 
مضى البابا إلى القول: لقد تغلغلت إلى أذهان الفلاحين أفكار الجشع ونكران الجميل. في جذور الصراع يكمن دائماً نكران الجميل وأفكار الجشع، أفكار التملّك. فقال هؤلاء إنهم لا يريدون أن يعطوا شيئاً لصاحب الكرمة، وإن الثمر هو ملكهم وحدهم، ولا يريدون أن يؤدوا حساباً أمام أحد. فكان ينبغي عليهم أن يكونوا ممتنين لما نالوه، وللطريقة التي عوملوا بها. لكن نكران الجميل غذى الجشع، ونما في داخلهم شعور متزايد بالتمرد، حملهم إلى رؤية الواقع بصورة مشوهة جدا، وشعروا أن صاحب الكرمة مدين لهم، لا العكس، مع أنه وفّر لهم العمل. وعندما رأوا ابنه قالوا إن هذا هو الوريث فلنقتله ولنأخذ ميراثه. فتحولوا من مزارعين إلى قتلة. هذا يحصل غالباً في قلوب الناس، وحتى في قلوبنا.
 
تابع البابا فرنسيس يقول: إن الرب يسوع، ومن خلال هذا المثل، يذكرنا بما يمكن أن يحصل عندما يتوهم الإنسان بأنه قادر على فعل ما يريد بنفسه، وينسى عرفان الجميل، وينسى واقع الحياة الأساسي: أي أن الخير يأتي من نعمة الله ومن هبته المجانية. وعندما ينسى الإنسان مجانية الله ينتهي به المطاف في عيش وضعه الخاص ومحدوديته، عوضا عن الفرح الناتج عن الشعور بأن هناك من يحبه ويخلصه، يتوهم أنه ليس بحاجة إلى المحبة وإلى الخلاص. فهو لا يريد أن يُحب، ويصبح أسير جشعه الخاص، وأسير الحاجة بأن يملك شيئاً أكثر من الآخرين وبأن يتفوق عليهم. هذا أمر قبيح، يحصل معنا مرات كثيرة، لنفكر بذلك.
 
من هنا، مضى البابا يقول، يولد انعدام الرضى واللوم، وسوء التفاهم والحسد. وإذ تدفعه الضغينة يمكن أن ينزلق الإنسان إلى دوامة العنف. نعم أيها الأخوة والأخوات، إن نكران الجميل يولّد العنف، يحرمنا من السلام، ويجعلنا نتكلم بصوت عال ونصرخ، فيما يمكن أن تحمل كلمة "شكراً" البسيطة السلام! فلنتساءل إذا: هل ندرك أننا نلنا هبة الحياة والإيمان، وبأننا هبة من الله؟ هل نؤمن أن كل شيء يبدأ من نعمة الرب؟ هل نفهم أننا المستفيدون، بدون استحقاق، وأننا نُحب ونُخلص مجانا؟ وتجاوباً مع هذه النعمة هل نعرف كيف نقول "شكرا"؟ إنها عبارات ثلاث: "شكراً"، "من بعد إذنك"، "سامحني". هل نعرف كيف نقول هذه العبارات الثلاث؟ إنها كلمة صغيرة "شكراً" يتوقعها الله والأخوة كل يوم. لنتساءل ما إذا كانت هذه العبارات الصغيرة: "شكراً"، "من بعد إذنك"، "سامحني"، حاضرة في حياتنا.
 
ختاماً سأل البابا فرنسيس العذراء مريم، التي تعظم نفسُها الرب، أن تجعل من الامتنان النور الذي يشرق كل يوم من القلب.