فاطمة ناعوت
فى احتفالات «دولة الأوبرا المصرية» بمرور ٥٠ عامًا على انتصار أكتوبر المجيد، سلّموا لنا عند باب الدخول أعلامًا مصرية صغيرة مع كُتيّب برنامج الحفل الجميل. كنّا نرفعُ الأعلامَ نلوّحُ بها فى فضاء المسرح الكبير مع كل أغنية وطنية شدا بها فنانو «الفرقة القومية العربية للموسيقى» بقيادة المايسترو «مصطفى حلمى» من خوالد أغنياتنا الوطنية التى تمسُّ القلوبَ بريشة نوستالجيا تلك الأيام الماجدة منذ نصف قرن حين رفعت مصرُ رايتها عاليًا أمام العالم لحظة انتصارنا على الكيان الصهيونى المغتصب. كنتُ أختلسُ النظرَ بين الحين والحين لابنى «عمر» الجالس إلى جوارى، لأفاجأ به يُدندنُ مع الأغانى الوطنية، فيشرقُ قلبى بالفرح. «يا حبيبتى يا مصر»، «النجمة مالت ع القمر»، «سلمولى على مصر»، «وأنا على الربابة باغنى»، «يا أغلى اسم فى الوجود»، «عاش اللى قال»، وغيرها من دُرر الطرب المصرى الذى استلهمه شعراءُ وموسيقيون ومطربون من سواعد رجال قواتنا المسلحة على الجبهة، من القادة والضباط والجنود والشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم فداءً للوطن العزيز.
دائمًا ما أعلّم أطفالى أن أول شهيدين فى حرب أكتوبر الخالدة كانا العميد/ «شفيق مترى سدراك»، والرقيب/ «محمد حسين محمود»، وأترك لوعيهم أن يتأمل كيف قضت حكمةُ الله أن ترتوى أرضُ مصرَ، فى أولى ساعات الحرب، بدماء رجلين نبيلين تنوّعا فى العقيدة، واتفقا على حب مصر.
فى مثل هذه الأيام من كل عام، تكسو أعلامُ مصرَ صفحةَ السماء، ونتذكّر اليومَ الخالد الذى شهد العالمُ بأسره انتصار مصر العظمى على عدوٍّ رسمَ لنفسه صورة أسطورية، وصدَّر للعالم فكرة أنه لا يُهزَم!. نتذكّر عظمة جيشنا المصرى الباسل، الذى دحرَ العدو الصهيونىَّ قبل خمسين عامًا، وظلَّ مُحافظًا على شرف مصر على مدى السنوات والعقود، حتى حرَّرَنا عام ٢٠١٣ من غول الإخوان الأسود الذى كاد يلقى بمصر فى التهلكة، وهو ذاته جيشُنا العظيم الذى دحر الإرهابَ الذى خلّفه الإخوان فى سيناء الحبيبة، ثم التفت إلى بناء مصر الجمهورية الجديدة. رجالٌ أشدّاء ذوو بأس وقدرات عسكرية وقتالية فائقة، صنعوا لنا ولأولادنا سنوات الأمن التى عشناها منذ حربنا الأخيرة مع إسرائيل فى أكتوبر ١٩٧٣، وحتى اليوم وإلى منتهى الأيام.
فى هذا اليوم الخالد ٦ أكتوبر من كل عام، نتذكّر بكل احترام: الرئيس/ «محمد أنور السادات»، الذى استردّ سيناء من قبضة إسرائيل، بعد حرب التحرير المجيدة. نتذكّر بكل احترام الفريق طيار/ «محمد حسنى مبارك»، قائد القوات الجوية، الذى قاد نسورنا المصرية فى الحرب وأطلق الضربة الجوية الأولى التى زلزلت عديد النقاط الحيوية لدى قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء، ما سمح لقواتنا البريّة بالتقدّم للعبور والسيطرة على الضفّة الشرقية للقناة فى أول أيام الحرب الشريفة، تحت غطاء وحماية نسور القوات الجوية. نتذكّر بكل احترام الفريق/ «سعد الدين الشاذلى»، رئيس الأركان واضع خطة العبور والرأس المدبِّر لاجتياح جيشنا المصرى خطَّ الدفاع الإسرائيلى فى خط بارليف. نتذكَّر بكل احترام المشير/ «محمد عبدالغنى الجمسى»، المُصنّف ضمن أبرع ٥٠ قائدًا عسكريًّا فى التاريخ، وآخر مَن حمل لقب «وزير الحربية» فى مصر، قبل أن يتغيّر اللقبُ إلى «وزير الدفاع»؛ لأن مصرَ دولة سِلمٍ لا تحاربُ إلا «دفاعًا» عن أرضِها وشعبها. نتذكّر بكل احترام المشير/ «أحمد إسماعيل» الذى قاد الجيش فى مرحلة من أدقّ مراحل ملحمة التحرير الشريفة. وفى دفتر العظماء نتذكّر بكل احترام عظماء خالدين، منهم مهندسٌ عبقرى رحل قبل أعوام، وتشرّفتُ بحضور مراسم جنازته وتقديم واجب العزاء لأسرته الكريمة، هو اللواء «باقى زكى يوسف»، رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى، وهو مبتكر فكرة استخدام ضغط المياه القوىّ لإحداث ثغرات فى الساتر الترابى المنيع المعروف عسكريًّا بخط بارليف الذى تغنَّت إسرائيل باستحالة إزالته؛ لكنه تصدَّع أمام شلالات المياه الهادرة من المضخّات، ليعبُرَ جيشُنا إلى ثكنات العدو ويرتفع علمُ مصر زاهيًا، وتصدح أغنياتُ العبور من مذاييع البيوت فى كل أرجاء الوطن العربى.
وأشكر الرئيس العظيم/ «عبدالفتاح السيسى» على إطلاق اسم «اللواء باقى زكى يوسف» على نفق مهم فى التجمع الخامس بين شارعى التسعين الجنوبى والشمالى، وتحت اسمه نبذة عن ابتكاره الهندسى الذى مكّن قواتنا المسلحة من تحطيم خط بارليف. وأتشرّف بشكل شخصى بأن ذلك المهندس العبقرى هو ابن الكلية الجميلة، التى تخرجتُ فيها: «هندسة عين شمس». عاش فى هدوء وخدم وطنه فى هدوء وركن إلى مرحلة تقاعده فى هدوء، بعيدًا عن الأضواء، ثم رحل فى هدوء تاركًا مصرَ وقد حطّمت أسطورةً نسجها صهيونُ أمام العالم. كل عام ومصرُ حرّة ماجدة وعزيزة بجيشها وشعبها. تحيا مصر.
نقلا عن المصرى اليوم