الأنبا موسى
أولاً: لا للانغلاق!! نعم للانفتاح!!
- المسيحية لم تناد أبدًا بالانغلاق!!
- وقد نادت دائمًا بالانفتاح!!
- لكن هناك ضوابط!!
لا.. للانغلاق!!
- فنحن ندعو السيد المسيح.. «مسيح العالم كله»!!، وهو الذى قال فى خطابه الوداعى عن تلاميذه: «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (يوحنا 16:17،15).
... نعم للانفتاح!!
فالمسيحى الحقيقى يسعى بين الناس بالحب، وينشر الخير، ويصنع السلام، إذ...
- قال السيد المسيح:
1- «طُوبَى لِصَانِعِى السَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متى 9:5).
2- وقال عن تلاميذه: «أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا 18:17).. بمعنى، أنهم لن يتخلوا عن تقديم صورة
جيدة عن الله، لكل من يتعامل معهم: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ» (متى 16:5).
3- حتى مع من يريدون معاداتنا، طلب منا السيد المسيح قائلًا: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متى44:5). ذلك لأن محبة العدو هى أقصر طريق لجعله صديقًا!!
- وقال القديس الرسول بولس:
1- «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ» (رومية 17:12).
2- «إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس» (رومية 18:12).
3- ثم وضع لنا المبدأ الذهبى: «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 21:12).
هل من ضوابط؟!
- ننفتح على الجميع بشرط الحفاظ على: إيمانى- عقيدتى- وأحافظ على روحياتى وأخلاقياتى. فأرفض كل دعوة للانحراف أو الخطيئة!! هذا هو المثلث الذهبى، الذى تتحرك داخله:
وهكذا:
1- أتفاعل بالمحبة مع كل من حولى.
2- وأشارك فى بناء وطنى فى اتحادات الطلاب والأحزاب والنقابات، والانتخابات.
3- وأقدم الروح الإيجابية والخدمة المثمرة لجميع الناس، قدر طاقتى.
وهكذا أكون بالحقيقة، «نورًا للعالم» و«ملحًا للأرض» بنعمة الله، والذى ينادينا: انشروا الحب، والخير، والثمار، وامتنعوا عن الرذيلة، والانحراف، والهدم، ففى النهاية «الله محبة».
ثانيًا: لا للتشدد!! ونعم للمرونة:
دائمًا يقولون لنا: «لا تكن يابسًا فتنكسر، ولا تكن لينًا فتُعصر!!». فحين يكون الإنسان «يابسًا»، متصلبًا متحجرًا، ويواجه ضعفات الحياة، سينكسر حتمًا!!. وحين يكون «لينًا»، متساهلًا، متهاونًا، يعصره الناس، وتطحنه الأحداث!!.
ويتحدث علماء النفس عن نوعين من المرونة:
1- المرونة الضعيفة: (Weak Flexibility)
ومعناها «معاهم معاهم» «عليهم عليهم» أو التلون مثل «الحرباء»!! فهى تأخذ اللون الأخصر حينما تسير فى أرض مزروعة، واللون الأصفر حينما تسير فى أرض صحراوية، وذلك كنوع من الاختفاء حتى لا يؤذيها أحد!! يجوز ذلك فى «الحرباء» الضعيفة، التى أعطاها الله هذه القدرة، حماية لها.. ولكن لا يجوز ذلك على الإنسان المخلوق الذى أعطاه الله عقلًا قادرًا على التفكير والتحليل والاستنتاج، بالإضافة إلى الجسد الذى يتحرك والنفس التى تحتوى على المشاعر والغرائز والعواطف.
المرونة الضعيفة تناسب «السمكة الميتة» أو حتى «الحوت الضخم الميت»، الذى يسير مسرعًا مع التيار باستمرار، إلى أن يطرحه التيار على الشاطئ، وينتهى تمامًا.
أما المرونة القوية فهى كالسمكة الحية التى تسبح مع التيار حين تريد، وضد التيار حين تشاء!
2- المرونة القوية (Strong Flexibility)
والمقصود بها أن يكون الإنسان قويًّا، وحيًّا، قادرًا على التفكير والفرز والاختيار. وهكذا يختار أن يسير «مع» أو «ضد»!!. «مع» حينما يكون الأمر بنّاء و«ضد» حين يكون هدامًا.
والأمر هنا قد يكون:
1- القرار: الذى تختار به شيئًا من عدة أشياء، قرار العمل أو الكلية أو غير ذلك.
2- الأشخاص: حين نختار شريك الحياة، أو زميلًا للصداقة، ونرفض آخر.. دون أن نقاطعه أو نخسره، ولكن نبقيه فى حدود الزميل وليس الصديق.
3- البرنامج: على الإنترنت أو التليفزيون أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. هذا يبنى ويفيد، وذاك يضر ويؤذى!!
4- خطوط الحياة: أى التوجهات التى نراها نافعة، وتلك التى نراها هدامة!
هناك شاب يقضى وقته على «الفيسبوك»، أو أى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى، أو برامج الأفلام الإباحية، أو مواقع لقاءات معثرة ومتعبة.. نعم هو حر فى ذلك، ولكنه سيقع فريسة إدمان رهيب وخطير، يدمر روحياته، ونفسيته، واجتماعياته، وحتى صحته الجسدية.
... لذلك فالإنسان المرن مرونة قوية:
أولًا: يملك روحًا شبعانة بنعمة الله:
«النَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ» (أم 7:27).. فلأنه شبعان بعمل روح الله داخله، من خلال الكتب المقدسة، والصلاة المرفوعة، والنشاط البنّاء، والثقافة السليمة، يكون قادرًا على ملء الفراغ الإنسانى الداخلى غير المحدود، الذى لا تشبعه مادة، ولا خطيئة، ولا العالم كله، ولا يشبعه إلا الله غير المحدود!
ثانيًا: ويملك ذهنًا مستنيرًا:
... وهذا ما يسمه المفكرون «العقل النقدى» (Critical Mind)، أى الذهن القادر على أن يفرز الغث من السمين! حينما..
1- يقرأ كتابًا. 2- أو يشاهد برنامجًا. 3- أو يستمع إلى صديق. 4- أو تعرض عليه فكرة.
فحين يميز شيئًا ويرى أنه هدام «يستطيع» أن يرفضه ولا يسقط فيه، وحين يرى أمرًا آخر أنه «بنّاء» يستطيع أن يمارسه ويلتزم به: مثل حياة الطهارة أو ضبط النفس والحواس، أو ممارسة وسائط النعمة المختلفة.
فى النهاية: بالإنسان طاقة هائلة، إما أن تبنيه أو تدمره، حسب قراره هو، لأن الله أعطانا حرية الإرادة. وعلينا أن نختار ما يبنينا، لا ما يهدمنا.. وذلك بنعمة الهنا المحب، وبصدق إرادتنا الإنسانية... ولربنا كل المجد، إلى الأبد آمين.
* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم