سمير عطا الله
في الحروب الكبرى، مذهلة مثل حرب غزة، أو متوقعة مثل حرب أوكرانيا، لا يعود للتحليل السياسى مكان. الخبر يسبق الجميع. المبانى المهدمة يَسمع هديرها العالم أجمع. وعبارة «عاجل» لا تعود وافية لوصف ما يحدث: الفلسطينيون يقاتلون في أرض 48 ويقصفون تل أبيب بالصواريخ، ويأسرون المستوطنين. أيضًا للمرة الأولى منذ 48.
في مثل هذه الحال من مفاجآت التاريخ، يصبح الفارق بين موعد كتابة المقال وموعد صدوره دهرًا كاملًا. يقوم عالم ويتهدم عالم. تتكدس الجثث وتتغير الإحصاءات بالدقيقة، ومعها تتغير موازين لم يكن أحد يظن أنها تتغير.
أرسلت مقالتى أمس الأول عن ناغورنو كاراباخ وسميتها «القطاع»، بسبب الشبه الجغرافى مع قطاع غزة. وعندما صدرت كان قطاع غزة قد أصبح ليس حدث الساعة، بل حدث العالم. وعنوان صحيفة «هآرتس» يختصر المسألة للإسرائيليين: «تهور نتنياهو يحمل الحرب إلى إسرائيل». وتقول: «لقد كشفت حماس، المنظمة الإرهابية الصغيرة، عرب إسرائيل كدولة إقليمية، ولن يكون في إمكان نتنياهو أن يغسل يديه من هذه المهزلة».
هزّت الضربة المجتمع الإسرائيلى برمّته. وبدت إسرائيل دولة خائفة تغلق مطاراتها، فيما شركات الطيران الدولية تلغى رحلاتها. ولم يعد الموضوع أزمة نتنياهو في الحكم، بل «أزمة إسرائيل الوجودية». وبدت المماحكات السياسية وسمعة نتنياهو في العالم مجرد تفاصيل.
الشهر الماضى ذهب نتنياهو إلى الأمم المتحدة حاملًا معه لوحة قال إنها تمثل الشرق الأوسط الجديد. وكانت من النوع السيئ، نفذها فنان ردىء. حرب غزة كانت تذكيرًا بأن خريطة الشرق الأوسط يمكن تغييرها على لوحة خشبية وليس على الأرض.
قالت «هآرتس» في مخاطبة رئيس الوزراء: «أولًا، وقبل أي شىء، إنها وصمة عار. إن عارًا عميقًا يملأ قلوبنا بالغضب وعيوننا بالدموع». هذه طبعًا نهاية نتنياهو السياسية. ونهاية الخيارات الجلفة والغرور الفارغ. وسوف ينسى جو بايدن خلافاته مع رئيس وزراء إسرائيل بكم ثوابت السياسة الأمريكية عندما تتعرض إسرائيل «لخطر وجودى». ولكن نتنياهو سوف يحصد النهاية التي استحقها. وكذلك الناخبون الذين أصروا على خياره.
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»