أمينة خيري
المراهقة أجمل مراحل العمر وأكثرها إمتاعًا. صحيح أنها تسبب للمحيطين بالمراهق الكثير من القلق، حيث حتمية التعامل مع شطحاته ونطحاته، والتى يعلم الجميع أنه لا يمكن إيقافها، نظرًا لأنها طبيعة المرحلة العمرية، لكنها تظل ممتعة. إنها تلك اللحظات التى نحملها معنا فى مراحل العمر التالية حين نكبر «ونتهد»، نحكى عنها مفاخرين ومزهوين بما كنا نقترفه من أفعال تخلو من المنطق وبدون أدنى حسابات للأمن والسلامة، أو المنطق والعقلانية. نقر ونعترف حين نكبر بأننا كنا نتصرف بأنانية ظنًا منا أنها حريتنا الشخصية، أنا حر أشعل نارًا فى غرفتى، أليست غرفتى؟، أنا حر لا ألتفت لدروسى وأزوغ وأذهب فى رحلات بدلًا من المدرسة، أليست حياتى؟، أنا حر أدخن سجائر وأتعاطى مخدرات، أليس جسدى؟، أنا حر أصادق خارجين على القانون أو فاقدين البوصلة فى حياتهم، أليس قرارى؟. وغالبًا يحمل المراهق وسط هذه التصرفات قدرًا غير قليل من الصوابية والوازع الأخلاقى (من وجهة نظره)، فهو كثيرًا ما يقول: يا سلام لو يتم تقسيم خيرات الدنيا على الجميع، فيتم القضاء على الفقر والعوز، ويا سلام لو يتم نزع كل الأسلحة، فتنتهى الحروب ويعيش الجميع فى سلام، ويا سلام لو تتوقف كل المصانع والشركات الملوثة للبيئة والملحقة الضرر بالكوكب عن عملها ونعود للعيش على أقل القليل فى الطبيعة، سيتم إنقاذ الكوكب ويحيا الجميع سعيدًا هانئًا. إنها مثالية المراهقة بشكلها الخام، والتى يتم صقلها بمرور السنوات والعقود، فتتحول دفة التفكير والمنطق صوب الواقع أكثر.
متعة المراهقة، وانطلاقه وحماسه، وقيمه الأفلاطونية المحلقة فى سماء الخيال، وحديته الشديدة، وانفراده برأيه، معتبرًا إياه قدس الأقداس، وعناده المتطرف فى الخير والشر على حد سواء جميعها جزء لا يتجزأ من طبيعة المرحلة السنية. لكن أن تبقى هذه المرحلة السنية حتى يشيب المراهق ويصبح مسؤولًا عن أسرة، أو ذا منصب فى بلده، أو صاحب حيثية فى مجتمعه، فهذا مكمن الخطورة. المراهقة مرحلة خطرة، لكنها أيضًا مرحلة لا بد منها فى سبيل اكتمال البلوغ والنضج، لكن أن تستمر المرحلة إلى ما لا نهاية، فإن ذلك أشبه بقرار الانتحار غير المكتوب. الأخطر من ذلك أن يحظى المراهق المتقدم فى العمر بشعبية وتهليل وإعجاب ممن حوله، وهذا متوقع، فالبعض منا يميل إلى الإعجاب بالأفكار الجريئة، حتى لو كانت خالية من المنطق، والانجذاب للأعمال والأقوال الزاعقة المفعمة بالصوت العالى الملىء بالحماسة حتى وإن كانت خيالية تمامًا. إنها طبيعة بشرية، تمامًا كتلك التى تجعلنا نذهب عن فيلم أكشن أو إثارة نعرف تمامًا أنه لا يمت للواقع بصلة، وندفع أموالًا لنشاهده. غاية القول أن المراهقة مرحلة عمرية بحلوها ومرها، نمر بها جميعًا، ويتحتم علينا التعامل معها ومع من يمر بها من حولنا، لكن أن يدفع البعض لتسليم أمور إدارة مجتمعه لمراهق أو جماعة من المراهقين، فهذا انتحار جماعى.
نقلا عن المصرى اليوم