القمص يوحنا نصيف
1 / 2
هذا المَثَل هو موجود فقط في إنجيل القدّيس متّى الأصحاح 13، وهو أحد مَثَلَيْن فسّرهما السيّد المسيح بنفسه، مع مَثَل الزارع..
سأحاول بنعمة المسيح، من خلال مقالَين، أن أركّز على ثلاث آيات فقط، تحمل معانٍ روحيّة هامّة في هذا المثل:
1- "وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى" (مت13: 25).
2- "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ" (مت13: 30).
3- "حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ" (مت13: 43).
* الآية الأولى:
"وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى" (مت13: 25)
+ هذا معناه أنّ العدو ينتهز فرصة غفلة الناس، ويقوم بزرع الزوان وسط الحنطة، بينما الناس نيام..
+ زرعُ الزوان كما شرحه الربّ يسوع في المَثَل، هو زرع الخطيّة في العالم بواسطة الشيطان العدو، مِمّا أثمر أناسًا أشرارًا منتشرين في كلّ الأرض.. وقد هذا حدث في البداية أثناء لحظات غفلة من آدم وحوّاء، فدخل الفساد إلى البشر..
+ زرعُ الزوان أيضًا يتمّ باستمرار من عدو الخير في النفوس الغافلة، بزرع الأفكار الشرّيرة في العقول والقلوب.. أفكار بغضة، أفكار شهوات، أفكار كبرياء، أفكار حسد.. وهذا اللون من الزرع يتمّ دائمًا إذا كان الإنسان متغافلاً عن علاقته مع الله، وغير منتبه لنقاوة قلبه.. فكما يقول القدّيس أنبا صموئيل المُعترِف:
"احذروا من الغفلة، فهي أمّ الأوجاع، وهي تُرَبِّي الزوان."
+ بوجه عام، أولاد الله يزرعون المحبّة والسلام والفرح، والعدو يزرع الكراهية والأحقاد والعداوات والكآبة والشكوك واليأس..
+ الزوان يتسلّل بين الحنطة، ويُحاول التشبُّه بها، خاصّةً في بدايته، ولكنّه ينكشف بعد حين، إذ يَظهَر أنّه لا يَحمِل أيّ ثمارٍ أو سنابل.. لذلك فكلام المسيح "من ثمارهم تعرفونهم" (مت7: 16) سيساعدنا على التمييز بين الحنطة (القمح) والزوان.
+ الزوان قد لا يقتل الحنطة عندما ينمو بجانبها، ولكنّه يُضعِفها، ويُقلّل من إنتاجيّة الحقل ككلّ. هو بمثابة بُقَع مُظلمة وسط النور.. ويظلّ هذا الوضع قائمًا في الأرض، حتّى نهاية العالم.
* الآية الثانية:
"دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ" (مت13: 30).
+ عندما ظهر الزوان مع القمح، جاء عبيد ربّ البيت إليه منزعجين، وقالوا له: "يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني" (مت13: 27-30).
+ لماذا يقول صاحب الحقل: دعوهما ينميان معًا؟!
+ الموقف مُحيِّر إلى حدٍّ ما، ولا يُرضِي حماس العبيد، الذين يبدو أنّهم متضايقون جدًّا من وجود الزوان في وسط الزرع الجيّد..!
+ الإجابة التي وضعها السيّد المسيح هي "لِئَلَّا تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ". ومعنى هذا أنّه خوفًا على القمح يُترَك الزوان.. لأنّ الزوان مختلط بشدّة معه..!
+ قد يكون كلام الربّ يسوع يُقصَد به الزوان الذي في داخل القلب.. فالله يتمهّل علينا ولا يُهلكنا بسببه، بل يعطينا الفرصة والوقت للتوبة، ولتنقية الزوان من قلوبنا..
+ يمكن أيضًا أن نضيف الأسباب الآتية، كإجابة للسؤال:
1- أنّ خلع الزوان يستلزم مجهودًا صعبًا، وقد لا ينجح. لذلك لا ينبغي أن نضيِّع طاقتنا في مثل هذا العمل المُرهِق وغير المفيد.
2- التركيز على الزوان سيعطّلنا عن الاهتمام بتغذية وتنمية الحنطة.
3- أحيانًا يتشابه الزوان تمامًا مع القمح في الشكل الخارجي، وبالتالي فإنّ اقتلاعه يكون خطرًا حقيقيًّا على القمح، كما ألمح الربّ يسوع.. بمعنى أنّ اقتلاع الزوان سيتسبّب في عثرات واضطرابات في الكنيسة..!
4- عندما يَشغِل الإنسان نفسه طول الوقت في التركيز على الزوان، من أجل اقتلاعه، فإنّه بعد فترة سوف تصير سلوكيّاته مُشابهة للزوان في كلّ شيء، ويفقد صورته ويتوقّف نموّه كقمح جيِّد، لذلك ينصحنا البابا شنودة الثالث قائلاً: إنّ عملك هو أن تنمو كحنطة، لا أن تنشغل باقتلاع الزوان.
(يُتَّبَع)
القمص يوحنا نصيف