هاني لبيب
ما تمر به المنطقة العربية منذ الأيام القليلة الماضية.. هو ظرف استثنائى فى كل الأحوال. وهو ظرف يرتبط بملامح ضبابية حول إعادة صياغة شكل التحالفات الدولية، فى ظل علاقات معقدة لاستقرار المنطقة العربية التى أصبح البعض من دولها على وشك التفجير الداخلى، أو تم تفجير أمنه الداخلى فعليًا.
قطعًا لا يتحمل الشعب الفلسطينى ما يحدث الآن، وتتحمله حماس وحدها. وفى المقابل تتحمل الحكومة الإسرائيلية تلك الحرب بكل ما فيها من دموية وإبادة لا مثيل لها. لا أختزل ما حدث فى حماس، غير أن مواقفها وتصرفاتها هى التى أدت إلى ما وصل إليه الشعب الفلسطينى الآن، وما سيعانى منه لأجيال قادمة.
ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية له أسباب تاريخية تراكمية طويلة بسبب فشل العديد من المفاوضات، وعدم استغلال العديد من الفرص منذ مبادرة الرئيس أنور السادات فى كامب ديفيد وإلى الآن. تراجعت أهمية القضية الفلسطينية عربيًا قبل دوليًا بسبب عدم الاستقرار الذى أصاب العديد من دول المنطقة العربية، وما زاد على ذلك من تحديات دولية. ويبقى الأساس هو الانقسام الفلسطينى المستمر الذى يجاهد البعض لتكريسه واستمراره لتحقيق مصالح ربما تكون شخصية أكثر منها وطنية.
استطاعت إسرائيل على مدار السنوات الطويلة تصدير تاريخ تراكمى من المظلومية الإنسانية، فى مقابل ما نصدره نحن عن أنفسنا من صور ومشاهد غير إنسانية.. تشجع على الإرهاب والتطرف والدموية. وهو ما استغلته الآلة الإعلامية الإسرائيلية لتحقيق تعاطف دولى، فى مقابل تشويه صورة الإنسان الفلسطينى ورفضه دوليًا بسبب ما وصمناه به نحن أنفسنا.
ويكفى الصور التى تروج على نطاق واسع الآن، مثل صور بعض الفتيات أو السيدات اللاتى يروج أتباع حماس والموالون لهم أنه قد تم أسرهن، وعرضهن للبيع كسبايا. وهو ما سيترك أثرًا سلبيًا جدًا فى المجتمع الدولى، بغض النظر عن صحته من عدمه. فى الوقت نفسه، لم نستغل كل تلك الانتهاكات الإسرائيلية لتصديرها أمام العالم الذى يتحمل مسؤولية ما يحدث.
للأسف الشديد، لا يوجد دور واضح وحقيقى وفعال لجامعة الدول العربية، وفى مثل ذلك الظرف الاستثنائى لن تكون هناك جدوى من بيانات الشجب والإدانة التى تصدر كبيانات رسمية عن لقاءات واجتماعات وهمية. مواقف افتراضية للنشر دون أى تأثير حقيقى، سواء فى المفاوضات أو فى اتخاذ مواقف جماعية للدول العربية، أو فى التأثير فى صناعة قرار أوروبى أو أمريكى أو دولى متعاطف ومساند ضد إبادة الشعب الفلسطينى. ولا يزال التأثير الأكبر يقع على تحركات بعض الدول العربية منفردة أو بشكل ثنائى أو ثلاثى.
موقف مصر من القضية الفلسطينية منذ سنة 1948 وإلى الآن واضح ومباشر مع الحفاظ على الحق الفلسطينى، وقبل ذلك على الشعب الفلسطينى نفسه. وهو موقف يجب التذكير به حتى لا يتم المزايدة على هذا الموقف الوطنى والإنسانى. كما يجب التأكيد على أن مصر لن تكون الوطن البديل حسب مفاهيم ومصطلحات الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة من جهة، وحسب المرجعية الفكرية لهذه الأفكار بداية من برنارد لويس ومخططات التقسيم، مرورًا بصمويل هنتنجتون فى كتابه «صدام الحضارات»، وصولًا إلى فرانسيس فوكوياما فى كتابه «نهاية التاريخ». بالإضافة إلى دراسات وأبحاث مراكز الأبحاث الأمريكية التى تبنت بالفعل الترويج لتلك الأفكار والسيناريوهات.
نقطة ومن أول السطر..
قتل أى إنسان آمن مرفوض، وقتل المدنيين محظور، والمقامرة بحياة الشعوب وأمنها خط أحمر.
إسرائيل تمارس أقصى درجات الدموية فى إبادة شعب بالكامل، وليس إبادة حماس وحدها.
ضرورات السلام والأمان والحرية لن تبيحها محظورات حماس وغيرها، من الفاشية الدينية التى تقف بالمرصاد ضد الإنسانية وضد الوطنية الفلسطينية.
إنه فن إدارة الفشل.
نقلا عن المصري اليوم