"المرضى يفترشون الأرض. لا توجد أسرة، ولا توجد مستلزمات طبية. الوضع كارثي جدا، وأعداد القتلى والإصابات تفوق الوصف. وهناك عائلات بأكملها قتلت ومُحيت أسماء أفرادها من السجل المدني. لم يكن أحد يتوقع أن نصل إلى هذه الدرجة"، بهذه الكلمات تصف لنا إحدى الطبيبات الوضع من داخل أحد المستشفيات في قطاع غزة، وقد أخفينا هُويتها بناء على طلبها، حفاظاً على سلامتها الشخصية.

 
وتتابع الطبيبة في حديثها لبي بي سي عربي: "أغلب الإصابات من الأطفال، وصباح الأحد كان هناك عشرة أطفال من بين القتلى"، مضيفة أن هناك نساء حوامل يصلن المستشفيات موتى.
 
ووفقا لتلك الطبيبة، هناك كوادر طبية غير قادرة على الوصول إلى المشفى الذي تعمل به، بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل.
 
بي بي سي تتحقق من استهداف موكب للنازحين الفلسطينيين في غزة
وقال ظافر ملحم، رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، إن المستشفيات في قطاع غزة ستتوقف عن العمل خلال ساعات، نتيجة نقص إمدادات الكهرباء. وقال ملحم في تصريح لقناة "القاهرة الإخبارية" إنه لا توجد أي مصادر للطاقة في غزة في الوقت الحالي.
 
وكان المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور أشرف القدرة، صرح لبي بي سي أمس الاثنين "بأن لدى المستشفيات 24 ساعة قبل أن تفقد خدماتها الصحية تماما أمام المواطنين والجرحى، بسبب عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود".
 
وكشف القدرة أن اثنين من مستشفيات غزة خرجا بالفعل عن الخدمة، من مجمل 14 مستشفىً.
 
وطالب القدرة بـ "إرسال الوفود الطبية التطوعية من كافة التخصصات لإنقاذ جرحى القصف الإسرائيلي في مستشفيات قطاع غزة التي بات العديد من طواقمها الطبية ما بين قتيل ومشرد".
 
وأشار إلى أن جميع أجهزة التنفس الصناعي في المستشفيات مشغولة، وأن غرف العناية المركزة ممتلئة تماما، ولا توجد أماكن لإدخال حالات جديدة من الجرحى.
 
ليس هذا فحسب، بل في بعض الأحيان يتم المفاضلة في الحالات التي سيتم وضعها على أجهزة التنفس الصناعي، حيث تُعطى الأولوية للحالات الأقرب للشفاء.
 
وناشد المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يدخل المساعدات الطبية الموجودة في مطار العريش، ويسمح بخروج المرضى عبر معبر رفح، لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية.
 
و حتى كتابة هذه التقرير، تصطف أعداد كبيرة من الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية قرب معبر الرفح الحدودي على الجانب المصري في انتظار إشارة للدخول إلى الجانب الفلسطيني.
 
كما ألقى وزير الخارجية المصري سامح شكري مسؤولية إغلاق معبر رفح على إسرائيل قائلا: "حتى الآن للأسف لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية موقفا يتيح فتح المعبر"، ملمحا بذلك إلى رفضها مرور المساعدات إلى غزة.
 
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مصادر مسؤولة في الحكومة الإسرائيلية أنها أبلغت مصر بضرب أي قوافل مساعدات تدخل إلى القطاع من معبر رفح. كما نفذت إسرائيل ضربة جوية بالقرب من معبر رفح على الجانب الفلسطيني منذ أيام.
 
ما الذي جرى في عشرة أيام من الحرب بين إسرائيل وحماس؟
"الموت في كل مكان"
وتقول ريم فرانية، وهي من سكان قطاع غزة، لبي بي سي عربي: "أعداد القتلى والإصابات تفوق الوصف. ولي زميلات في العمل قُتلن أو قُتل أحد ذويهن... لأنهم فقط يهربون من مكان إلى آخر أكثر آمنا".
 
وتتابع ريم قائلة: "نحن شعب يحب الحياة، ويبحث عنها في أزقة الشوارع".
 
وعندما سألناها عما يبدو عليه الوضع الإنساني في غزة الآن، ردت قائلة: "الوضع أصعب وأخطر من أن أتحدث عنه بمجرد كلمات".
 
وأضافت: "الموت في كل مكان. وكثير من المقابر تحول إلى مقابر جماعية. ولا يوجد مكان آمن في قطاع غزة حاليا".
 
ما هو معبر رفح ولماذا يعتبر شريان الحياة لقطاع غزة؟
"لا علاج لمرضى السرطان"
وتقول مروة، وهي مريضة سرطان من سكان غزة، لبي بي سي عربي، وقد اختارت لنفسها اسما مستعارا، إنها لم تتمكن من الحصول على جرعة العلاج الكيماوي في موعدها المقرر.
 
وتضيف قائلة: "لا يوجد علاج الآن، لأن أعداد القتلى والجرحى تفوق الخيال".
 
وتروي مروة لبي بي سي عربي تجربة نزوحها بعد القصف الإسرائيلي: "خرجت من بيتي لأول مرة من مدينة غزة للمنطقة الوسطى، وبعدها تهجرت لمدينة رفح على الحدود المصرية".
 
وتفترش مروة وعائلتها الأرض أمام باب أحد المستشفيات في مدينة رفح. لكن معاناتها هي وعائلتها تتفاقم في ظل نقص الطعام والمياه والعلاج.
 
فزوجها الذي يعاني من انزلاق غضروفي، يقف في طابور "طويل جداً" للحصول على مياه الشرب.
 
مقابر جماعية لدفن الجثث
وحذرت علا الجعبري، من منظمة أطباء بلا حدود، من أن الجثث المكدسة في ثلاجات حفظ الموتى بحاجة إلى كهرباء، وإلا فإنها ستتعفن في حال نفاد الوقود.
 
وقالت الجعبري لبي بي سي عربي: "هذا إنذار خطير، وهذا الوضع ربما يؤدي إلى كارثة صحية وإلى انتشار الأوبئة".
 
كما قال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، لبي بي سي إنه بسبب كثرة الجثث، اضطرت بعض المشافي في المنطقة الوسطى لحفظ هذه الجثث في الشاحنات الكبيرة المخصصة لحفظ المثلجات.
 
وأضاف القدرة: "وضعت مستشفيات أخرى الجثث في خيمة أمام قسم الطوارئ"، لعدم وجود أماكن لحفظها.
 
وكشف القدرة لبي بي بي سي أن بعض الجثث نُقلت ودُفنت في مقابر جماعية، مضيفا: "وفي حال انتهاء الحرب الحالية واستقرار الوضع، ستُنقل هذه الجثث إلى مقابر عادية".
 
وأوضح أنه تم وضع أرقام للجثث والاحتفاظ بعينات دم منها، وأخذت أيضا عينات من الشعر لمعرفة هُويتها لاحقا.
 
ويقصف الجيش الإسرائيلي منذ السابع من الشهر الحالي قطاع غزة، ردا على هجوم شنته كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في اليوم ذاته على بعض القرى والبلدات في إسرائيل، وأسرت خلاله مدنيين وعسكريين.