الانبا موسى
هذه صيحة الكثير من الشباب والشابات، وهم معذورون، ولكن الأهل أيضًا معذورون.. ولابد من التفاهم حول:
أولًا: ماذا حدث بين الأجيال؟
لا شك أن ما يسمى «فجوة الأجيال» (Generation Gap) هو أمر واقعى حقيقى.. فهناك فجوة بين الأجيال فعلًا:
1- فجوة عمر.. فالوالدان كبيران، والشباب صغير السن، وبين الجيلين الآن فجوة عمرية كبيرة، وخاصة بعد أن تأخر سن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية، فالشاب يأخذ وقتًا كبيرًا للاستعداد لهذه الحياة المقدسة.
2- فجوة عصر.. فالستينيات غير 2023، حيث «ثورة التكنولوجيا» و«التواصل المستمر بين الناس»، معلوماتيًّا، ومن خلال المواقع الإلكترونية المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعى المتعددة.
3- فجوة تربية.. فالأجيال القديمة تربت على الطاعة، والاهتمام برأى الكبار، ونصائحهم، وتوجيهاتهم.. بينما تتربى الأجيال المعاصرة، من خلال العالم الافتراضى «World Vertual» على الإنترنت، حيث «الفيس بوك» و«وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة» وغيرها. وهكذا يتفاعل الشباب معًا، فتتشكل ثقافتهم ورؤيتهم للحياة من خلال ما يشاهدونه على الفضائيات والإنترنت والمواقع المختلفة.
4- فجوة تكوين.. فقد تكونت الأجيال القديمة على أساس احترام الكبير، سلطة الكبير على الصغير.. أما الأجيال المعاصرة فهى تحيا «عصر الحريات والديمقراطية والقرار الذاتى»، حتى من الطفل الصغير، حيث يعلمونه (be yourself).
5- فجوة جسمية وذهنية.. ينمو الشباب فى سنة واحدة جسميًّا، فقد تصل قامته إلى قامة والديه، وربما أكثر، فيتصور أن هذا النمو يجعله شبيهًا لهما فى كل شىء!، لكن النمو الجسمى الفجائى السريع لا يصاحبه نمو ذهنى فجائى أو سريع، بل نمو ذهنى تدريجى، ومعه نمو نفسى ونمو روحى، وكلاهما يكون بالتدريج،
فهناك إذن فجوة بين النمو الذهنى والنفسى والروحى من جهة، وبين النمو الجسمى من جهة أخرى.
ثانيًا: ما هو «الصح»؟
1- أن هناك نموًّا جسديًّا سريعًا للشباب ما بين الطفولة والمراهقة.. لكن النمو العقلى والمعرفى يسير ببطء من سنة إلى أخرى.
2- أن الشباب هم قوة حيوية دافقة، والكبار هم «الدريكسيون Direction» المطلوب لضبط المسار، فيستحيل أن تكتفى السيارة «بالموتور» ولا تهتم «بالدريكسيون»..
وكلمة «Direction»، أى إدارة أو قيادة أو اتجاه، فما قيمة «الموتور» بدون «دريكسيون»، وما قيمة «الدريكسيون» بدون «موتور»..؟!. الاثنان يكمل أحدهما الآخر: حيوية الشباب وحكمة الكبار!!.
3- ولا شك أن الأجيال تختلف، وما قابله الآباء فى شبابهم يختلف جذريًّا عما يقابله الأبناء.. ولكن، إن كان الشباب هو التجديد، فالكبار هم الخبرة.. ولا ينبغى أن تقف الخبرة عائقًا أمام التجديد، ولا ينبغى أن يهمل التجديد دور الخبرة.
4- أن مدرسة الحياة تعطى خبرات يومًا بعد يوم، والإنسان فى السن الكبيرة يكون مخزنًا لخبرات كثيرة يحتاج إليها الشباب فعلًا.
5- أنه لابد من «حوار الأجيال» و«تواصل الأجيال» و« تكامل الأجيال»، وليس «صراع الأجيال»!!.
ثالثًا: فما المطلوب.. إذن؟
1- المطلوب أن يتفهم الكبار ظروف الشباب المعاصرة، واحتياجاتهم، وطبيعة عمرهم وعصرهم والأوساط المحيطة بهم من أصدقاء وإعلام وإنترنت، وأن يترفقوا بهم، فلا يُحبطوا تطلعاتهم، وأن يحسنوا توجيه طاقاتهم.
2- وأن يتفهم الشباب حاجتهم للكبار، فالشباب يجب أن يقدروا هذه الفجوة حق قدرها، فيشعروا بالحاجة إلى فكر وخبرة الوالدين بسبب الخبرات المتراكمة لديهما، والتى اكتسباها من معارك الحياة اليومية فى الأسرة والمجتمع والعالم.
.. إذن، فحينما تختلف أيها الشاب الحبيب أو الشابة المباركة مع الأب أو الأم، فلا يكون هذا الاختلاف فى الرأى خلافًا، بل فرصة تفاعل وحوار.. حتى نصل جميعًا إلى الاقتناع بالرأى الصحيح.. الذى يريح ويبنى الجميع، وكما يقول الحكيم سليمان النبى: «بالحكمة يُبنى البيت وبالفهم يثبت» (أمثال3:24).
رابعًا: المنظومة المقترحة:
1- المحبة.. وهى حقيقة أكيدة بين الآباء وأبنائهم.
2- الحوار.. فى هدوء وروح تفاهم صادق من الجيلين.
3- الحزم.. حينما يتحول الحوار إلى «مقاوحة غير منطقية» من الأبناء نحو آبائهم.
4- الشرح.. لو اختلف الأب مع ابنه، يشرح مع الأم سبب الاختلاف ليأتى إلى تفاهم مع أبيه، واحترام لسنه وخبراته، وأبوته، وكما يقول سليمان الحكيم: «حكمة المرأة تبنى بيتها» (أمثال1:14).
5- الشفافية.. بوصولنا إلى وضع فيه يصارح الابن أباه والبنت أمها بأى أخطاء أو تساؤلات من أجل الوصول إلى طريق السلامة.
من هنا كان لابد من التكامل بين الجيلين، «وبالمحبة والحكمة يُبنى البيت»، والمجد لله دائمًا.
* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية