( 1892- 1965 )
صاحب نظرية الفن التلقائي عند الأطفال والذي طلبت ملكة انجلترا زيارة معرضه خصيصا والذي ولدت فكرة إنشاء معهد الدراسات القبطية في منزله بأبو قير


إعداد/ ماجد كامل
يمثل الفنان والمبدع الكبير حبيب جورجي ( 1892 –  1965 ) أهمية كبيرة في تاريخ الفنون التشكيلية في مصر ، فهو صاحب نظرية الفن التلقائي عند الأطفال التي قلبت نظريات الفن التشكيلي في العالم كله كما سوف نري في هذا المقال .  أما عن حبيب جورجي نفسه ، فلقد ولد في 22 مارس 1892 ، وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي حصل علي بكالوريوس كلية المعلمين ، وتخصص في تدريس علوم الرياضيات . وفي عام 1918 أعلن ناظر المدرسة الإنجليزي التي كان يعمل بها مدرسا للرياضيات عن تأسيس قسم للفن ، فأنضم إليها حبييب جورجي ؛ وسرعان ما عشق حبيب جورجي هذا الأمر حتي أنه ترك تخصصه الأصلي الرياضيات وتخصص في دراسة الفن ؛ فأوفدته وزارة المعارف العمومية في بعثة  إلي أنجلترا لدراسة الفنون ؛وكان ذلك خلال عام 1919 ؛فحصل علي درجة الزمالة في الفنون الجميلة عام 1923 . وبعد عودته إلي مصر عمل مدرسا  للرسم بالمدارس الابتدائية ثم الثانوية فمدرسا بمدرسة المعلمين العليا عام 1924 فمتشا لوزارة المعارف ثم عميدا  لمفتشي الرسم عام  1940  . ولقد ساهم في تأسيس العديد من الجعيات الفنية نذكر منها جمعيات الرسم بمدارس المعلمين .وتأسيس جمعية الرعاية الفنية عام 1936 وجمعية الرسم بالألوان المائية  . ولقد أستمر حبيب جورجي في الفن والإبداع حتي توفي في 22 اكتوبر 1965   عن عمر يناهز 73 عاما  .

أما عن الإضافة الحقيقية التي أضاقها الفنان حبيب جورجي للفن المصري ؛ فهو تأسيسه لتجربة الفن التلقائي عند الأطفال المصريين التي أستغرقت ما يقرب من 12 عاما خلال الفترة من (1939- 1951 ) .  وأستخلص منها نتائج تربوية بالغة الأهمية غيرت مناهج التربية الفنية في مصر والعالم . وكانت بمثابة الأرضية التي قام عليها بيت الفن في الحرانية ؛والذي أسسه صهره المرحوم رمسيس ويصا واصف (1911- 1974 )  وأشتهر بانتاجه السجاد المعروف بسجاد الحرانية .

ولقد ذكر الفنان والكاتب الكبير كمال الملاخ (    1918- 1987 ) في كتابه الرائد ( 80  سنة  من الفن )  عن هذه التجربة فقال عنها " في عام 1938  بدأ الفنان حيب جورجي تجربته حول الفن التلقائي عند الأطفال . فبدأ يجمع الأطفال في سن مبكرة ؛وكانوا خمس فتيات وولد صغير ؛وأسكنهم معه في منزله وتركهم بعبرون في تلقائية عن كل ما يخطر علي بالهم ليستخرج المخزون التشكيلي الوراثي قبل أن يتأثروا بالحياة المدنية ؛فقام بعزل هؤلاء الأطفال  عن المؤثرات الحضارية والتعليمية ؛ وبعد خمس سنوات من التجربة ؛ أي خلال عام 1943 تقريبا ؛ بدأ بعض الأثرياء في تدعيمه ماديا بعد أن شعروا بقيمة العمل الذي كان يقوم به . فزاد عدد الأطفال إلي 14 فتاة و 6 أولاد  ؛ من أبرزهم سميرة محمد حسن وسيدة ميساك وبدور جرجس .... وقد أقام لهم خمس معارض في القاهرة ؛ وقد وصلت التجربة إلي علم مؤسسة اليونسكو ؛فقامت لهم معرضا في باريس ومعرضا آخر في لندن .  ولقد أثبت حبيب جورجي من خلال تجربته أن تاريخ الجنس البشري مختزن في أعماق الذاكرة الإنسانية بشكل مكنون ؛ ومن الممكن عند عزل الأطفال عن المؤثرات الحضارية المختلفة مع تشجيعهم علي استخراج  هذا المخزون أن يقدموا  ما بداخلهم من مواهب مكبوتة تنتظر اللحظة المناسبة للإعلان عنها في شكل عمل إبداعي متميز ( لمزيد من التفصيل راجع الكتاب السابق  ذكره من صفحة 143 – 147 ) .

وعن هذه التجربة يذكر الدكتور مينا بديع عبد الملك في كتاب " أقباط في تاريخ مصر ؛ الجزء الأول " فيقول " لقد امتدح العلامة الأب آيتين دريتون ( 1889- 1961 ) مدير الآثار المصرية هذا العمل وتنبأ بمستقبل زاهر . وحدث أنه كان في زيارة لدار التربية الفنية بحمامات القبة وشاهد هؤلاء الأبناء يبعثون الحياة في كتل من الطين تحمل كل سمات الفن المصري القديم . وأبدي – علي حياء- رأيا كان يعتقد أنه يخالف به الأستاذين حبيب جورجي ورمسيس ويصا واصف  . وأنتقد ما تقوم به خضرة إحدي الفتيات الموهوبات – من تقليد متقن ومذهل لتمثال الفلاحة المعروض بالمتحف المصري ؛وأنه كان يفضل أن تكون أعمالهم خلاقة من وحي الخيال والبيئة – وليس النقل والمحاكاة – وهذه نظرية لا يختلف عليها أثنان . وكم كانت دهشة دريتون كبيرة عندما  أكدت له خضرة أن هذه أنها لم تدخل المتحف المصري أبدا طول حياتها . ولكنه تراث آلاف السنين يسري في عروقها سريان الدم في الشرايين " ( راجع الكتاب السابق ذكره ؛ صقحة 101 ) .

ولقد أشار المفكر المصري الكبير الدكتور مراد وهبة ؛ في كتابه الهام "فلسفة الإبداع " إلي تجربة حبيب جورجي التي جمع خلالها ستة من الأطفال العاديين  فقال عنها " في عام 1950 دعت اليونسكو حبيب جورجي إلي إقامة معرض في فرنسا وانجلترا يعرض فيه آثار المدرسة الفنية التي أنشأها .وخصصت الأذاعة البريطانية برنامج النقاد الأسبوعي لمناقشة أعمال هذا المعرض . وفي هذا الرنامج قال الناقد الأدبي روبرت أنستي Robert Anstey  أن أعمال هذه الفتاة سيدة ميساك قد خرجت عن نطاق الطبيعة وأحدثت صياغة جديدة للطبيعة  . وقال موريس كوليز في مجلة "تيم آندتايد "  أننا رأينا سجاجيد نسجتها أيد تتراوح أعمارها بين العاشرة والرابعة عشر أفضل من السجاجيد التي تصنع وفقا لمشاهير الفنانين المعاصرين الفرنسيين والانجليز . ومعني هذا القول أن الطفل منذ البداية ومن غير تعليم يتذوق العملية الإبداعية ويمارسها . ومعناه أيضا أن الإبداع سابق علي المحاكاة " ( لمزيد من التفصيل راجع الكتاب السابق ذكره  ؛ صفحة 85  ؛ 86 ) .

ولقد ذكر الفنان الكبير حبيب جورجي أن ملكة انجلترا قد غيرت برنامج زبارتها لتري معرض حبيب جورجي  ؛ كما قال له الفيلسوف الأنجليزي العالمي ألدوس هكسلي Aldous Huxley  ( 1894- 1963 ) " إن نظريتك في الفن قلبت مفاهيمنا في الفن رأسا علي عقب " ( لمزيد من التفصيل راجع :- الأنبا غريغوريوس :- السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس – الجزء الثاني ؛جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ؛ 2012 ؛ صفحة 420 ) .

ويذكر الدكتور مينا بديع عبد الملك في مقالته عن حبيب جورجي ؛أن وزارة الثقافة التفتت إلي أهمية حبيب جورجي ورأت الأستفادة منه ؛فقدمت إليه الطابق الثاني من وكالة الغوري حيث أهتمت الصحف  والتلفزيون المصري به وألقت أضواءها علي أعماله ولقد أصبحت هذه الوكالة مركز إشعاع فني ( صفحة 101 من الكتاب السابق ذكره ) .

ولقد عمل حبيب جورجي في خدمة الفن القبطي أيضا ؛ حيث قام  بتسجيل مباني الأديرة القبطية في لوحات رائعة ؛ ولقد ذكرت المؤرخة الكبيرة إيريس حبيب المصري ( 1918 - 1994)  في موسوعتها الرائعة "قصة الكنيسة القبطية – الجزء السادس رقم ب  ؛ صفحات 69 -73 "  أن فكرة إنشاء معهد الدراسات القبطية ولدت في منزل حبيب جورجي بأبي قير حيث قالت " كان الدكتور عزيز سوريال عطية يزور حبيب جورجي ؛ وخلال الزيارة تطرق الحديث إلي المبني القائم علي أرض الأنبا رويس ووجوب استغلاله لخدمة الكنيسة . ورأوا أن خير وسيلة لاستغلاله هو إنشاء معهد عالي للدراسات القبطية ؛ فتحمس الأنبا يؤانس مطران الجيزة الراحل للفكرة وقال لعزيز سوريال عطية " مادمت متضايقا من حرمانك كرسي أستاذية التاريخ بجامعة الإسكندرية – فما رأيك في الاستقالة وتركيز جهودك علي افتتاح المعهد ثم تولي رئاسته " فراقت الفكرة للمؤرخ الكبير فبدأوا يناقشون كيف في كيفية جمع التمويل اللازم ؛ فأعلن الانبا يؤانس استعداده أن يساهم ب 500 جنيه سنويا . وحذا حذوه الأنبا ياكوبس مطران القدس الراحل .فقال لهما حبيب جورجي " هل أنتما مستعدان أن تكتبا تعهدا كتابيا بذلك  ليكون وثيقة في يد وثيقة في يد عزيز سوريال يطوف بها مختلف الجهات لجمع المال اللازم ؛ فوافق المطرانين وكتبا التعهد المطلوب ؛ وبالفعل أستعان عزيز سوريال عطية بهذا التعهد لجمع المبالغ المطلوبة " ( راجع المرجع السابق ذكره ؛صفحتي 69 و70 وما بعدهما ) .

ولقد  ظل قسم الفن القبطي بالمعهد امتدادا لمدرسة حبيب جورجي في النحت كما أسندت إيه مسؤلية تعليم الفن بالمدرسة القبطية الأولية وجمعية التوفيق القبطية ( نفس المرجع السابق صفحة 102 ) .

ولقد  قام معهد الدراسات القبطية  بتكريم أسمه مع آخرين  في احتفال كبير أقيم مساء يوم الأربعاء  31 مارس 1976 بالقاعة المرقسية بالأنبا رويس بالعباسية برئاسة نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ؛ ولقد تم التكريم مع خمسة شخصيات أخري هم ( عزيز سوريال عطية – سامي جبرة- الفنان راغب عياد – الدكتور شفيق عبد الملك – الفنان الراحل حبيب جورجي – المرحوم المهندس يوسف سعد ) ( راجع :- الأنبا غريغوريوس ؛ المرجع السابق ذكره صفحة 405 ؛ 406  ) وأيضا ( مينا بديع عبد الملك :- نفس المرجع السابق ذكره صفحة 102 ) .

وللفنان الكبير كتاب مطبوع بعنوان "حديث الفنون " أشترك في تـأليفه مع كل من " أحمد شفيق زاهر " و"محمد عبد الهادي " ولقد ظهرت الطبعة الأولي من هذا الكتاب خلال عام 1950 ؛ وأخيرا ظهرت منه طبعة ثانية عن "  وكالة الصحافة العربية"  ( أنظر صورة غلاف الكتاب ضمن مجموعة الصور الملحقة بالمقالة ) .

ويبقي في النهاية حلم ورجاء ؛ هو نشر مثل هذه الأعمال الفنية في كتالوجات ؛ مع الشرح والتبسيط لغير المتخصصين ؛ حتي نساهم في نشر الثقافة الجمالية ؛ ومحو الأمية البصرية عند الكثيرين من شعبنا .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- مينا بديع عبد الملك :-  قاموس التراجم القبطية ؛جمعية مارمينا العجايبي  للدراسات القبطية بالاسكندرية ؛ الطبعة الأولي 1995 ؛ صفحة 72 ؛73 .
2- مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ( الجزء الأول)؛ جعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ نوفممبر 2017 ؛   من صفحة (98 – 103 ) .
3- كمال الملاخ وآخرون :- 80 سنة من الفن ( 1908- 1988 ) ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ 1991 ؛ صفحة 103 و 143 – 174 .
4- الأنبا غريغوريوس – السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس ؛ الجزء الثاني رقم 39 ؛ جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ؛ صفحة    405 ؛ 406 ؛ 420  .

5- مراد وهبة :- فلسفة الإبداع ؛دار العالم الثالث ؛الطبعة الأولي 1996 ؛ صفحة 85 ؛ 86 .
6- حبيب جورجي عبد الله الطويل – السيرة الذاتية –فطاع الفنون التشكيلية  ؛ موقع علي شبكة الأنترنت .
7- التربية الفنية في مصر – ويكبيديا – موقع علي شبكة الأنترنت .

8- محمد مهدي :- كيف تحول أهل الحرانية إلي فنانين عالميين زوجة رمسيس ويصا تروي ؛ موقع مصراوي ؛ بتاريخ الأحد 16 ديسمبر 2018 .
9- ايريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء السادس (ب )  مكتبة المحبة ؛ صفحة 69 وما بعدها .  

10- بدر الدين أبو غازي :- حبيب جورجي ؛ مجلة المجلة ؛ يناير 1966 ؛السنة  العاشرة ؛ العدد 109 ؛ صفحة 99 و100 .
11- مجلة مدارس الأحد :- عدد شهري أبريل ومايو 1976 ؛ الصفحات (36- 39  ). ( والشكر هنا واجب للأخ الحبيب أسحق الباجوشي لتفضله بتصوير العدد وإرساله لي علي Messenger ) .

11-  خالص الشكر للدكتور سعد ميخائيل صاحب برنامج الحضارة القبطية علي قناة لوجوس لتفضله بإمدادي ببعض المعلومات عن الفنان الكبير وإرسالها لي علي Messenger .