ياسر أيوب
في مثل هذا اليوم منذ خمسين عامًا، في الرابع والعشرين من أكتوبر 1973، بدأت الحكاية الأكبر والأغلى والأهم والأجمل في تاريخ السويس.. حكاية المائة يوم التي عاشتها السويس ترفض الانكسار أو الاستسلام لإسرائيل التي حاصرتها وأرادت احتلالها.. مائة يوم كانت فيها السويس اختصارا لمصر وما يملكه المصريون من قوة وشموخ وكبرياء.. وجوه وبيوت.. جنود وضباط.. جيش وشرطة.. فدائيون وشباب.. أطباء وممرضات.. عمال وموظفون.. شيوخ ونساء.. أطفال وجرحى.. كلهم كانوا أقوى من رصاص إسرائيل ودباباتها.
ولم تتوقع جولدا مائير وموشى ديان وشارون أن يطول صمود السويس ومقاومتها، وأنها مجرد أيام قليلة وسيذهبون بعدها إلى السويس لالتقاط الصور كدليل على انكسار السويس ومصر وانتصار إسرائيل وجيشها.. ولم تسقط السويس ولم يستسلم أو يهرب أهلها رغم القصف المستمر والجوع والعطش، وأثبتوا أن بيوت السويس التي ستعيش حتى لو كان الثمن هو الاستشهاد تحتها لم تكن مجرد أغنية، لكنها واقع وحقيقة.. ولم تكن الرياضة غائبة عن كل ذلك.. وكان إبراهيم سليمان لاعب الجمباز والمصارعة هو أحد أوائل الشهداء الذين تصدوا في 24 أكتوبر لدبابات إسرائيل ومنعوها من دخول السويس.. وكانت أول قذيفة «آر بى جى» دمرت أول دبابة سنتريون في مدخل السويس هي التي أطلقها إبراهيم سليمان، لتتعطل خلفها دبابات إسرائيل.. ثم كانت قذيفته الثانية التي فجرت حاملة جنود إسرائيلية، ليجرى إبراهيم بعدها ويحاول مع زملائه طرد الجنود الإسرائيليين الذين دخلوا قسم الأربعين.. وحين وقف فوق السور الخلفى للقسم لمحه أحد قناصة إسرائيل فأطلق عليه طلقات متتالية، ليصبح إبراهيم أول شهداء السويس، وتبقى جثته معلقة فوق السور لينقلها زملاؤه صباح اليوم التالى للمستشفى.
وكان إبراهيم أحد وجوه السويس، وجاءت بعده بسنين طويلة بطلة الدراجات ابتسام زايد، التي لم تكتف بأنها ابنة للسويس، لكنها أصبحت تجسيدًا لكل ما في تاريخ السويس من صلابة وتحدٍّ وعناد.. تقع وتصاب وتنكسر عظامها، ويتوقع الجميع في كل مرة نهايتها واعتزالها، لكنها تعود دائما أقوى مما كانت، وتصبح بطلة مصر وإفريقيا كلها.
وما بين إبراهيم وابتسام، توالت صور وحكايات أبناء السويس.. سواء حكايات قديمة ربما لا يعرفها كثيرون حتى الآن وكادت مصر أن تنساها، لكننى جمعتها لتبقى شهادة حقيقية عن السويس وأهلها.. أو حكايات جديدة تثبت أن من يعيشون اليوم في السويس هم أبناء وأحفاد الذين منذ خمسين عاما قاوموا ومات بعضهم من أجل أن تعيش السويس وبيوتها، ومن أجل أن تنتصر مصر كلها.. حكايات لابد أن يأتى يوم تخرج فيه للنور ليعرف كل الناس حكاية السويس.
نقلا عن المصرى اليوم