خالد منتصر
كان أول ميعاد لي مع فن السينما الحقيقية وقراءة ما وراء المشهد والانتقال من متعة الفرجة لمنطق التحليل، من مجرد الفرجة للرؤية الأعمق، كان مع كتاب "السينما عندما تقول لا" للكاتب والناقد رؤوف توفيق، ومن قبلها مجموعة مقالاته ومشاهداته التي كان يكتبها بعد عودته من مهرجان كان، أتذكر أنه قد كتب عن فيلم زد مقالاً بديعاً، جعلني أعيد مشاهدته مرة أخرى، لأستمتع بزاوية المشاهدة التي أطل منها هذا الناقد الهادئ الذكي اللماح، والذي أضاء لي جوانب في الفيلم لم أكن منتبهاً لها، لدرجة أنني ظللت أسأل نفسي هل هذا المشهد الذي يحكي عنه موجود في الفيلم؟!
تعلمت بعد ذلك ألا أدخل فيلماً وأتعامل معه معاملة الفيشار، فالشريط السينمائي الجيد مثل الكتاب الجيد، يحتاج الى تركيز واهتمام وتأمل وقراءة ما هو خلف اللقطة، بعد كتاب السينما عندما تقول لا، أدمنت كتب رؤوف توفيق التي شكلت عالم الفن السابع لدي، سينما الحب، سينما الزمن الصعب، سينما المرأة، سينما الحقيقة، السينما ما زالت تقول لا، سينما المشاعر الجميلة، سينما اليهود (دموع وخناجر).
كلها في مكتبتي بورقها الأصفر القديم، وعبق الزمن الجميل، زمن رواد الصحافة مثل رؤوف، ممن كانوا يتمتعون بأخلاق رفيعة، وتعامل شيك، وهدوء التأمل والحكمة، والعجيب أن أهدأ ثلاثة أصوات سمعتها في بلاط صاحبة الجلالة، كانوا من صباح الخير، أحمد بهاء الدين ولويس جريس ورؤوف توفيق!
من الجانب النقدي الى الجانب الإبداعي، كان رؤوف توفيق قد خاض تجربة كتابة الدراما التليفزيونية، فكتب مسلسلاً للفنانة سناء جميل اسمه الآنسة، ولكن لغته الاختزالية النقدية لاقت المزاج السينمائي، فكانت السينما هي منصة الانطلاق والنجاح، وكان الفيلم الأيقونة «زوجة رجل مهم» الذي نجح على المستوى الجماهيري والنقدي، بعد "مشوار عمر" الذي نجح على المستوى النقدي أكثر، الفيلم أبهرني وسحرني، وكان أداء أحمد زكي هو أعلى أداء في تاريخه.
وكذلك ميرفت أمين ، الفيلم بداية من الفكرة وحتى النهاية المأساوية مروراً بالتسلسل المتصاعد والإيقاع اللاهث في خلفيته أغاني عبد الحليم التي تعشقها البطلة، الفيلم قطعة دانتيلا رومانسية صبغت بالدم !! فيلم لا يمل المشاهد من الفرجة عليه عشرات المرات، فيلم مهم لكاتب مهم، نضع اليوم باقة ورد على قبره، رؤوف توفيق الصعيدي النبيل الذي رحل بلا ضجيج كما عاش بلا ضجيج وبلا ثرثرة وبلا استعراض .
نقلا عن الوطن