80 % من سكان "غزة" يعتمدون على المساعدات الدولية قبل انطلاق الحرب
في الوقت الذي يصعب فيه حصر خسائر الاقتصاد الفلسطيني جراء القصف المستمر للبنى التحتية وتساقط القتلى المستمر والسياسات المتعمدة لتضييق سبل العيش للسكان في أحد أكثر المناطق كثافة سكانية حول العالم - قطاع غزة -، بعد اشتعال الحرب مع حركة حماس، إلا أن البيانات المرصودة عن القطاع في العام 2022، صادمة في ذاتها.
خلُص أحدث تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) بشأن مساعدته للشعب الفلسطيني، إن عام 2022 كان عاما سيئا بالنسبة للفلسطينيين.
وعلى خلفية التوترات السياسية المتصاعدة، وتزايد الاعتماد على السلطة القائمة بالاحتلال، وتوقف عملية السلام، واصل الاقتصاد الفلسطيني العمل بأقل من إمكاناته في عام 2022 مع اشتداد التحديات المستمرة الأخرى.
وتشمل هذه العوامل فقدان الأراضي والموارد الطبيعية لصالح المستوطنات الإسرائيلية، والفقر المتوطن، وتقلص الحيز المالي، وتراجع المساعدات الخارجية، وتراكم الديون العامة والخاصة.
ولا يزال الاقتصاد يعاني من صدمة كوفيد-19.
وعلى الرغم من نمو الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنسبة 3.9% في عام 2022، إلا أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا يزال أقل بنسبة 8.6% من مستواه قبل الوباء في عام 2019. وفي غزة، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل بنسبة 11.7% من مستوى عام 2019 وقريباً من أدنى مستوى له منذ عام 1994.
وظل معدل البطالة مرتفعا عند 24% في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، و13% في الضفة الغربية، و45% في غزة - وكانت النساء والشباب هم الأكثر تضررا. وازداد الفقر، ما جعل 40% من السكان في حاجة إلى المساعدة الإنسانية.
ومع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية، تعاني الأسر الفقيرة بشكل غير متناسب، لأن الغذاء يمثل حصة أكبر من إجمالي إنفاقها.
وبعد مرور 3 عقود على اتفاقات أوسلو، لا يزال التقارب المأمول بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الإسرائيلي يعوقه سياسات الاحتلال. وبدلاً من ذلك، تباعد الاقتصادان، حيث يبلغ نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني حالياً 8% فقط من نظيره في إسرائيل، وفقاً لـ "أونكتاد".
التبعية الاقتصادية القسرية
وسلط التقرير الضوء على اعتماد الاقتصاد الفلسطيني القسري على إسرائيل. وقد أدت تكاليف الإنتاج والمعاملات المفرطة والحواجز التجارية مع بقية العالم إلى عجز تجاري مزمن واعتماد واسع النطاق وغير متوازن على إسرائيل، التي شكلت 72% من إجمالي التجارة مع فلسطين في عام 2022.
وفي الوقت نفسه، فإن الافتقار إلى العملة الوطنية والاعتماد على الشيكل الإسرائيلي لا يتركان مساحة كبيرة للسياسة النقدية في حين أن سعر صرف الشيكل القوي يقوض القدرة التنافسية الضعيفة بالفعل للمنتجين الفلسطينيين في الأسواق المحلية والأجنبية.
وتجبر ندرة الوظائف العديد من الفلسطينيين على البحث عن عمل في إسرائيل والمستوطنات. في عام 2022، كان 22.5% من الفلسطينيين القادرين على العمل من الضفة الغربية يعملون في إسرائيل والمستوطنات، حيث متوسط الأجر أعلى. لكن رسوم السمسرة والتكاليف الأخرى المرتبطة بها تمثل 44% من إجمالي الأجر، ما يمحو العلاوة على متوسط الأجر المحلي، وهو ما يشير إلى أن البحث عن عمل في إسرائيل والمستوطنات يعتمد إلى حد كبير على فرص العمل المحدودة في الاقتصاد المحلي.
ويحذر التقرير من أن الاعتماد المفرط على العمالة غير المستقرة في إسرائيل والمستوطنات يعرض الاقتصاد الفلسطيني للصدمات في بيئة متقلبة تتميز بأزمات متكررة، في حين أن الافتقار إلى الحيز النقدي والمالي لا يترك مجالا كبيرا للاستجابة السياسية الفعالة للصدمات والأزمات.
ومنذ ولادتها عام 1994، واجهت الحكومة الفلسطينية مسؤوليات اقتصادية وسياسية واجتماعية فريدة ومعقدة أكبر بكثير من الموارد السياسية والاقتصادية المتاحة لها.
في الماضي، ساعدت مساعدات المانحين في تخفيف تأثير الاحتلال. ومع ذلك، في عام 2022، تلقت الحكومة الفلسطينية 250 مليون دولار فقط من دعم ميزانية المانحين و300 مليون دولار لمشاريع التنمية. ويشكل هذا انخفاضا حادا من إجمالي ملياري دولار، أو 27% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008، إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022.
غزة: عقد ونصف من التنمية المكبوتة
منذ يونيو 2007، تعرضت غزة لعدة عمليات عسكرية وخضعت لإغلاق بري وبحري وجوي. ويحتاج سكان غزة إلى تصاريح للتنقل داخل القطاع وخارجه عبر معبرين بريين تسيطر عليهما إسرائيل.
وقد أدت القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع، وتدمير الأصول الإنتاجية في العمليات العسكرية المتكررة، والحظر المفروض على استيراد التكنولوجيات والمدخلات الرئيسية، إلى تفريغ اقتصاد غزة.
وانخفض الاستثمار في عام 2022 إلى 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي لغزة – أو 1.9% ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني. بين عامي 2006 و2022، تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في غزة بنسبة 27%، في حين تقلصت حصته في الاقتصاد الفلسطيني من 31% إلى 17.4%.
كما أن القيود المفروضة على الحركة تعيق الوصول إلى الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية، حيث يعتمد 80% من سكان غزة على المساعدات الدولية.
إن العيش في غزة في عام 2022 يعني الحبس في واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم، دون كهرباء نصف الوقت، ودون إمكانية الوصول الكافي إلى المياه النظيفة أو نظام الصرف الصحي المناسب.
وخلص التقرير إلى أن احتمالية أن تجد فلسطينياً فقيراً تبلغ 65%، واحتمال ترك أحدهم الرغبة في العمل بسبب اليأس 41%، وبالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن عمل، احتمال أن يصبحوا عاطلين عن العمل تبلغ 45%.