محرر الأقباط متحدون
في الذكرى الـخمسين بعد المائة لولادة القديسة تريزيا الطفل يسوع، سلم البابا فرنسيس إلى الكنيسة الإرشاد الرسولي "Cest la confiance" الذي – وإذ يسترجع الأعمال الرئيسية للقديسة - يتيح له الفرصة للتفكير بشكل جديد حول الثقة في محبة الله الرحيمة.
 
تعلمنا القديسة تريزيا، المشهورة بـ "طريقها الصغير"، مرة أخرى أن نقدر ما وصفه القديس بولس بأنه أفضل طريق على الإطلاق، أي طريق المحبة. كتبت تريزيا أنَّ المحبة هي "أمُّ وأصل كل فضيلة"، لأنها أعظم عطية من الروح القدس. "إن قصة نفس هي شهادة للمحبة، تقدم لنا تريزيا من خلالها تعليقًا على وصية يسوع الجديدة: أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم. ويسوع يتعطّش لهذه الاستجابة لمحبته.
 
تعتبر الشابة الكرملية من أشهر القديسين في العالم ورسالتها هي جزء من الكنز الروحي للكنيسة؛ تعتبر خبيرة كبيرة في علم الحب، وهي مرشدة للجميع، ولاسيما للاهوتيين، وتمثل إحدى أهم الشخصيات للإنسانية المعاصرة، كما وصفتها اليونسكو. لكن في بعض الأحيان، تكون العبارات المأخوذة من نصوص "ملفانة الخلاصة"، كما يسميها البابا، اقتباسات ثانوية لفكرها، وهي مواضيع تشترك فيها تريزيا أيضًا مع أي قديس آخر. وبالتالي يتم التغاضي عن "أن لديها القدرة على أن تقودنا إلى المحور، إلى ما هو ضروري، إلى ما لا غنى عنه"، لأنها تمتلك عبقرية موجزة إلى حد ما. وهكذا يركز الإرشاد الرسولي تعليمه على موضوع الحب، الذي - كما كتبت تريزيا نفسها - يجعل أعضاء الكنيسة يتصرفون، لأنه "في النهاية وحده الحب هو الذي يهم". وعلينا أن نضع كل الثقة في ذلك الحب الرحيم واللامتناهي. إنها مواضيع عزيزة جدًا على قلب البابا فرنسيس، الذي كتب في الرسالة "الرحمة والبؤس" في ختام اليوبيل الاستثنائي لعام ٢٠١٦: "لنحافظ على قلوبنا مفتوحة على الثقة بأن الله يحبنا. إنَّ محبته تسبقنا على الدوام، هي ترافقنا وتبقى إلى جانبنا على الرغم من خطايانا".
 
كذلك في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" - الذي نحتفل بالذكرى السنوية العاشرة له هذا العام - كتب البابا أن الكنيسة التي "تخرج وتنطلق" كجماعة مُبشِّرة، وجماعة تلاميذ مرسلين، تختبر يوميًا أن الرب قد أخذ المبادرة، وقد سبقها في الحب. ولهذا السبب، تعرف كل جماعة كنسية كيف تقوم بالخطوة الأولى، وتعرف كيف تأخذ زمام المبادرة دون خوف، وتعرف كيف تمد يدها، وتبحث عن البعيدين، وتصل إلى مفترق الطرق لكي تدعو المستبعدين. إنَّ الكنيسة تعيش رغبة لا تنضب في أن تقدّم الرحمة، لأنها كانت أول من اختبر رحمة الآب اللامتناهية وقوتها القابلة للانتشار.
 
يُظهر تعليم تريزيا كيف فهمت طوال حياتها القصيرة أن كل لقاء حقيقي مع المسيح يثير ويدعو إلى الرسالة. في الواقع، لم تستطع القديسة الفرنسية الشابة أن تتصور تكريسها لله دون أن تبحث عن خير الإخوة. بالنسبة لتريزيا، إنَّ الله يسطع أولاً من خلال رحمته، المفتاح لفهم أي شيء آخر؛ وتكتب: "لقد منحني رحمته اللامتناهية، ومن خلالها أتأمل وأعبد الكمالات الإلهية الأخرى". وتتحدث عدة مرات في كتاباتها عن مشاركة محبة الآب الرحيمة لابنه الخاطئ ومحبة الراعي الصالح للخراف الضالة البعيدة والجريحة. ومن هذا الفهم العميق للرحمة الإلهية، استمدت نور رجائها اللامحدود، لأن "الثقة يجب أن تقودنا إلى المحبة". ووحدهم الذين يوكلون أنفسهم للرب يمكنهم أن يختبروا، حتى في الظلام، الثقة الكاملة لطفل يستسلم دون خوف بين ذراعي أبيه وأمه.
 
كتب البابا فرنسيس العام الماضي أن اليوبيل المقبل الذي تستعد له الكنيسة، "سيكون قادرًا على تسهيل إعادة تشكيل جو الرجاء والثقة، كعلامة على ولادة جديدة نشعر جميعًا بإلحاحها". لقد أعاد البابا التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن فكرة القداسة البيلاجية قد انتشرت في الكنيسة، وهي فكرة فردية ونخبوية، أكثر زهدًا وتركز بشكل أساسي على الجهد البشري. لذلك، في هذا الزمن من التحضير للسنة المقدسة، يقترح البابا فرنسيس كنموذج روحانية تريزيا، التي تؤكد دائمًا في أعمالها على أولوية عمل الله، ونعمته. لا بل يصل بها الأمر إلى أبعد من ذلك إذ تكتب إلى أختها باولينا: "أشعر دائمًا بالثقة الجريئة عينها بأن أصبح قديسة عظيمة، لأنني لا أعتمد على استحقاقاتي، إذ ليس لدي أي منها، ولكنني أرجو في الذي هو الفضيلة، والقداسة عينها: هو وحده، الذي يكتفي بجهودي الضعيفة، وسيرفعني إليه، وسيغمرني باستحقاقاته اللامتناهية، وسيجعلني قديسة".