د. أمير فهمي زخارى المنيا
- ما هو سر كراهية الحاكم بأمر الله لـ «الملوخية».. لماذا تم منعها من زراعتها وما هو موقف المصريين من ذلك؟
هل من الممكن أن تستيقظ من النوم على خبر بأنه لم يعد مسموحًا لك بأكل الملوخية؟!، هذا الطبق الذي يعتبر صديقًا للبيئة والقلب والمعدة بطشتها العبقرية التي تغسل الأحزان برائحتها المميزة والتي تملأ الأرجاء سعادة، ولكن هذا ما حدث في مصر عام 1805 لأسباب غريبة.

 لم يكن نبات "الملوخية" موجودًا في مصر، وتم زراعته لأول مرة في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، ولدخول الملوخية المحروسة تاريخ وقصة، سنعرفها عبر مقالي اليوم، ولماذا جرى منعها وماذا فعل المصريون؟

كانت علاج للمعدة
دخل القائد جوهر الصقلي مصر عام 973 م، وأقام الخليفة المعز لدين الله الفاطمي فيها، وكان يشكو من التهابات في المعدة، فوصف له الأطباء علاجًا من أوراق نبات "الكوريت" المعروف الآن باسم الملوخية، فأمر الخليفة بأن تزرع بعض شجيراته في حدائق القاهرة حتى يستطيع استعمالها كلما احتاج لها.
وكما فعل المعز فعل رجال دولته وحاشيته، فزرعوا نبات "الكوريت" بحدائق منازلهم لاستعمال أوراقه كدواء يشفي من أمراض المعدة، وبمرور الوقت، استحسنوا مذاق أوراقه فأضافوه إلى قائمة الخضروات الشهية.

من الملوكية للملوخية
عرف نبات "الكوريت" باسم "الملوكية" كونها أكلة خاصة بالملوك، واعتبرت لفترة طويلة مقتصرة على الأمراء وعلية القوم، وطال الاسم بعض التغيير على ألسنة الشعب فأطلقوا عليها "ملوخية"، وبعدما كانت أكلة مقتصرة على كبار القوم والملوك، انتقلت إلى العامة، وفقًا لما ذكر في كتاب "حقول الذهب"، الذي خصّص المقريزي فصلاً كاملاً فيه عن الملوخية وطريقة طهيها وبداية زراعتها.

من منع الملوخية عن مصر؟
مرّ تاريخ الملوخية في مصر بأزمة شديدة عام 1805، كادت أن تقضي عليها لولا تمسك الشعب بها، فقد أصدر الخليفة الفاطمي أبو علي منصور بن عبدالعزيز، الذي عرفه التاريخ باسم "الحاكم بأمر الله"، أمرًا من فرماناته الشاذة التي اشتهر بها وقتها، حيث منع وتحريم عدد من الأطعمة ومنها أكل الملوخية والخضار المسماة بالجرجير لأن عائشة كانت تحبها والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل (صِنفا شهيرا كان يُطهى بالقلقاس ويسمى بالمتوكلية؛ لأنه سُمِّيَ باسم الخليفة العباسي المتوكل الذي كان سُنيّا).، ومنع زراعة الملوخية أو أكلها، ويرجع السبب في تحريم الحاكم بأمر الله لأكل الملوخية إلى كراهيته الشديدة لأهل دمشق، الذين يرجع أصلهم إلى الخليفة الأموي معاوية، الذي كان يحب الملوخية جدًا، ورغم أنه كان قد رحل منذ 200 عام وأكثر، لكن لمجرد أنه وقومه كانوا يحبونها، فجعلها محرمة على المصريين.

قصة تهريب الملوخية
استاء الشعب حينها بشدة من قرار الحاكم، فقد كانت من أحب الوجبات إلى قلوب المصريين، وعمل بعضهم على زراعتها في أماكن نائية لا يعلم عنها الحاكم شيئًا وتهريبها إلى الشعب، خصوصًا وأنه كان يأمر جنوده بقتل بائعيها في المدينة، لهذا دخلت الملوخية مصر مهربة إلى أن عادت الأمور إلى حالها بعد رحيل الحاكم بأمر الله.

والى اللقاء في الجزء الثاني عن نبات الملوخية... تحياتي.
د. أمير فهمي زخارى المنيا