إعداد/ ماجد كامل
يمثل الدكتور محمود عزمي ( 1889-1954 )  أهمية كبيرة في تاريخ  القانون والصحافة والفكر المصري عموما  ، وهو يعتبر من أوائل من أهتموا بقضية حقوق الإنسان كما سوف نري في ذلك المقال . أما عن محمود عزمي نفسه ، فلقد ولد عام 1889 ،  في أحدي قري محافظة الشرقية من أسرة مصرية متوسطة ، ثم نزح إلي القاهرة للدراسة الثانوية . حتي تخرج من مدرسة التوفيقية للمتفوقين ، ثم التحق بكلية الحقوق التي أرسلته  فى بعثة  إلي فرنسا لدراسة الدكتوراه  ،  وفى فرنسا تأثر كثيرا بمحاضرات عالم الاجتماع الفرنسي الشهير أميل دوركايم Emile Durkheim (   1858- 1917 )  ، ولقد تمكن من الحصول علي درجة الدكتوراة   عام 1912 ،  ويعود بعدها إلي مصر ليعمل أستاذا بمدرسة التجارة العليا ، ثم عميدا لكلية الحقوق . ولقد  عمل فترة بالصحافة ، فعمل رئيسا لتحرير جريدة " المحروسة " . وقام بعدها بإصدار جريدة " الاستقلال "  خلال عام 1921 . كما شارك في تحرير جريدة " السياسة " ،وإصدار جريدة " اليوم " وسافر بعدها إلي فرنسا وعمل مستشارا صحفيا للخديوي عباس حلمي الثاني ( 1874- 1944 ) . وفور عودته إلي مصر شارك في تحرير جريدة " الجهاد " عام 1934 . وفي فبراير 1935 تولي رئاسة تحرير مجلة "روز اليوسف " وقام بإصدار صحيفة " الشباب " في العام التالي  . وكانت له إسهامات كثيرة في  معظم الصحف المصرية .

ولقد كانت له جهود كبيرة في إنشاء "معهد الصحافة العالي " بجامعة القاهرة  عام 1939 بالتعاون مع  عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (   1889- 1973 ) .  والذي تطور بعد ذلك حتي صار ما يعرف حاليا بكلية الإعلام ، وشارك في وضع الأساس الذي قامت على أثره " نقابة الصحفيين " عام 1941 .

جهوده في الأمم المتحدة :-
لم يقتصر محمود عزمي في نشاطه من أجل حرية الرأي في مصر فقط ، إنما نقل نشاطه إلي الخارج  ،فاختير لتمثيل مصر في لجنة " حرية تداول الأنباء " التابعة للأمم المتحدة عام 1949 .وقدم مشروعا لتنظيم حرية تداول الأنباء يقضي بحماية المراسلين الأجانب أثناء سعيهم للحصول علي الأنباء . وفي يوليو 1951  مثل مصر في مؤتمر الشئون الصحفية بفرنسا ، وفي  مارس 1952 انتخب رئيسا للجنة حرية  الأنباء . وقدم بالاشتراك مع مندوب فرنسا ولبنان ويوغسلافيا مشروع اتفاقية لتصحيح الانباء تتيح لكل دولة نشر خبر عنها تنشر خبر خاطيء داخل دولة أخري أن تطلب تصحيحه وأن ينشر هذا التصحيح .

وعندما  اختير " الدكتور محمد صلاح الدين " وزيرا للخارجية ، تم اختيار محمود عزمي ضمن أعضاء الوفد الذي مثل مصر ، وكان محمود عزمي معروفا في الخارج بدفاعه عن حرية الصحافة ، فتم اختياره عام 1951 لتمثيل مصر فى لجنة حقوق الإنسان المنوط بها أن تقدم للجلس الاقتصادى والاجتماعي اقتراحات وتوصيات خاصة بإعلان دولى لحقوق الإنسان وتقارير خاصة بحقوق المرأة وحماية الأقليات . وعدم التمييز بين البشر بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين . ، ولقد عرف محمود عزمى بمناصرته لحقوق المرأة وتوجهاته الليبرالية فاختير رئيسا للجنة حقوق الإنسان فى مارس 1953 ، وأعيد انتخابه فى مارس 1954 .

( لمعى المطيعى :- نساء ورجال من مصر  ،دار الشروق ، صفحتي 788 و789 ) .

جهوده في تأسيس  معهد   لدراسة الصحافة :-
وحول دوره في تأسيس معهد لدراسة الصحافة ، تذكر الأستاذة الدكتورة "نجوي كامل " في كتابها حول " محمود عزمى  رائد الصحافة المصرية " ، فلقد برزت الفكرة لأول مرة في عهد وزارة على ماهر (  1882- 1960  ) عام 1936 ، وصدر مرسوم بإنشاء المعهد عام 1939 . وكان لمحمود عزمى دور  كبير في تأسيس هذا المعهد . وبدأت الدراسة بالفعل في فبراير 1940 ، وانتدب عزمى للتدريس في هذا المعهد ، وكان الرعيل الأول من الأساتذة هم ( محمود عزمى – طه حسين- أحمد الشايب – محمد مندور – أحمد عزت عبد الكريم – أمين روفائيل – ثلاثة من الأساتذة الأجانب لتدريس اللغات ) ( نجوي كامل :- محمود عزمى : رائد الصحافة  المصرية ، دار المعارف ، سلسلة " أقرأ "، الكتاب رقم (533 )   ، صفحة 53 ،54 ) .

وفي فبراير 1940 ، قدم محمود عزمى تقريرا إلي كلية الآداب يتعلق بنظام المعهد ومواد الدراسة ، ويمكن تلخيص بنود التقرير فيما يلي :-
1-أن تكون دراسة بحوث لا تلقين ، فالصحافة الحديثة يجب ان تستند إلي الثقافة العامة .
2-ضرورة إيجاد اللغات الإنجليزية والفرنسية  ، كما يجب ان يدرسوا علوم النقد الأدبى .
3-يجب  أن يتضمن برنامج المحاضرات ، ثقافة عامة في  المذاهب الاقتصادية والاجتماعية والثقافة القانونية وتاريخ المعاهدات الدولية .
4-ضرورة تدريب الطلاب علي القراءة الحرة ، وأن تفتح لهم أبواب المكتبة  بعد الظهر .
(نجوى كامل :- نفس المرجع السابق ن صفحة 55 ،56 ) .

وفي معظم المقالات التي  كتبها ، كان محور كتاباته يتركز حول :-
1-الدفاع  عن حرية الرأي والتعبير .
2-تحديث مصر عن طريق تطوير التعليم بمختلف مراحله ،والمساواة بين الرجل والمرأة ومدنية القوانين وحقوق الأقليات ومواجهة الاستبداد .
3-التعريف بمنجزات الحضارة الغربية خاصة في المجال القانوني والاجتماعي والثقافي .
4-وضع النخبة السياسية المصرية علي حقيقة الصراع مع إسرائيل .
5-الدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية المختلفة .
( هاني نسيره :- محمود عزمي رائد حقوق الإنسان في مصر ، مركز القاهرة لحقوق الإنسان ، صفحة 66 ) .

ولقد تميز أسلوبه الصحفي بالتسلسل المنطقى من حيث العناية التامة بالمقدمات والنتائج والاعتماد علي التحليل والبرهان لتوصيل الحقائق . كذلك تميز أسلوبه بالإيجاز واستعمال الجمل القصيرة ، والابتعاد عن الأسلوب الإنشائي الخطابى  ، كذلك ابتعد عزمي عن الانغماس في المهاترات الحزبية . ( نجوي كامل :-  مرجع سبق ذكره ، صفحة 14 ) . ولقد كان هذا الأسلوب سببا رئيسا  في  أن يكون كاتبا للخاصة من القراء ذوي الثقافة العالية وليس للعامة .

ولقد كان له فضل كبير في صك  مجموعة من المصطلحات التي كانت غير معروفة مثل ( الأممية – التدويل – التأميم – الإعلام ... الخ ) . كما كان  يستخدم  حرف التاء بدلا من الطاء ، فيقول ( إيتاليا بدلا من إيطاليا – بريتانية بدلا من بريطانيا  .... الخ ) .

تاريخ وفاته :-
توفي الدكتور محمود عزمي يوم 3 نوفمبر  1954 عن عمر يناهز 65  عاما ، وذلك   أثناء رئاسته للوفد المصرى الدائم في الأمم المتحدة ، حيث وقف بحماس شديد يرد علي بعض الإدعاءات الإسرائيلية ، فاجأته أزمة قلبية لم تمهله طويلا .

نموذج من كتاباته عن  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :-
ونختتم هذه المقالة بهذه العبارة المعبرة التي كتبها في  أحدي الصحف بمناسبة يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وبعد ان استعرض بنود الإعلان الثلاثين كتب يقول " إن صياغة هذه المواد الثلاثين ..... قد استغرقت من الوقت شهورا ثلاثين كذلك ، تضافرت طوالها جهود الدبلوماتيين والخبراء والمفكرين والعلماء ،قصد الدرس والتحقيق والتدقيق والتوفيق ، لا في حقوق الإنسان ولجانها الفرعية فحسب ، بل فيها كلها وفي المجلس الاقتصثادي والاجتماعي ، وفي هيئة الترية والعلوم والثقافة Unesco ، وفي كثير من الجامعات والجماعات العلمية بأوربا وأمريكا جميعا .  فجاءت عباراته محبوكة ، ومعانيها محددة ، ولكل لفظ من ألفاظها قدرة وأهمية . ولذلك وجبت قراءة الإعلان كلمة كلمة ، ووجب تدبره حكما حكما " .

(هاني نسيره :- محمود عزمي ، رائد حقوق الإنسان في مصر ، صفحة 139 ) .

بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1-نجوى كامل : محمود عزمى رائد الصحافة المصرية ، دار المعارف ،سلسلة أقرأ ، الكتاب رقم  533 .
2- لمعى المطيعى :- نساء ورجال من مصر ، دار الشروق  ، الطبعة  الأولى ، 2003 ، الصفحات من 783- 790 .
3-هاني نسيره  :- محمود عزمي رائد حقوق الإنسان في مصر ، تقديم محمد السيد سعيد ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، 2006 .