حمدى رزق
والعنوان أعلاه مشتق من الآية الكريمة (٩ / الإنسان).. والرسالة بعلم الوصول، للتذكير فحسب، «إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» (ق / ٣٧).
والمعنى لا نريد منكم جزاء على ما قدمناه لكم، ولا نريد منكم شكرًا على ما فعلناه، فإننا لا نلتمس ذلك إلا من الله سبحانه، خالقنا وخالقكم.
مصر لا تنتظر شكرًا من كائن من كان، مصر تقوم بالواجب، وواجبها الوطنى والعروبى والقومى والأخلاقى والإنسانى يحتم عليها حماية المدنيين الفلسطينيين ما استطاعت إليه سبيلًا.
مصر الكبيرة تترفع عن الصغائر، البعض يتصاغر، ولا تحفل بالترهات، ولا ترهن مواقفها الناصعة بتصريحات غير مسؤولة، ولا تخرصات تصدر عن نفوس مريضة، الغرض مرض.
مصر الكريمة لا تنتظر عطايا، تقدم المساعدات من لحم الحى، المصريون كرماء لا يُتبعون ما أنفقوا من المساعدات منًّا ولا أذى، فلا يمنون على أحد، لا بقول ولا بفعل، ولا أذى، لا يفعلون مع من نساعدهم مكروهًا يحبطون به ما سلف.
عظيمة يا مصر وهو تغيث المدنيين الفلسطينيين بمدد عنوانه «مسافة السكة»، وتعين إخوتنا في نكبتهم بمدد لا ينقطع.
عظيمة وهى تصل أهلنا في القطاع وقت تخلى عنهم العالم، وتضمّد جراحهم الغائرة، وتفتح المستشفيات المصرية، وتوفر المساعدات الغذائية والطبية لمن دهمتهم آلة الحرب البربرية.
مصر العظيمة لا تتأخر عن العون، مصر الكريمة تقول للأحبة نحن في ظهوركم، ومن «الكتف ده زاد.. والكتف ده ميه».
مصر لم تنتظر حتى طلب الغوث، تحركت من فورها، بكرمها، تلقى وراء ظهرها بالإحن والمحّن، لا تحسب الحسابات ولا تتحسب للمآلات، ولا تنتظر مقابلًا.. معلوم الكريم يبتدع أسبابًا للعطاء.
الكرم المصرى من صنف فاخر، الكرم الحقيقى هو أن تعطى أكثر من استطاعتك، والكرم هو أن تعطى ما أنت بحاجة إليه فعلًا.
مصر التي تعانى لا تبخل باللقمة، تطلّع اللقمة من فم الفقير تُطعم بها من ضاقت بهم السبل تحت وطأة القصف الأرعن المجنون.
مصر ليست غنية بالمقاييس الاقتصادية، ولكنها كريمة بالمواصفات الأخلاقية، والغنى غنى الله، مصر كبيرة قوى، وحضنها حنين قوى، وشعبها كريم قوى، لم يصدر منها أو عنها حرف في قرار يخص أحبتنا في غزة.
ورغم ضيق الأوضاع الاقتصادية، مصر لم تتبرم من نكران الجميل المستدام، لا ترهن مواقفها بتصريحات ولا بعنتريات تجلب مزيدًا من القصف على بيوت الآمنين، تُصليهم نارًا وقودها البشر والحجارة.
مصر الشريفة تتعامل بشرف في زمن عز فيه الشرف، عنوان القيادة المصرية المخلصة الشريفة، مشتقة من طبائع المصريين، شرفاء، والحكمة على لسان طيب الذكر «مصطفى لطفى المنفلوطى»: «إن الصدر المملوء بالشرف والفضيلة لا يحتاج إلى وسام يتلألأ فوقه».
«الكريم لا يُضام»، فيضان النيل علّم المصريين العطاء من فيض الكريم، عطاء بلا حساب، وأجود من الريح المرسلة في المحن.
مصر مخلصة للقضية الفلسطينية، ومضحية بالغالى والنفيس، وفى هذا يفرد التاريخ صفحاته ناصعة البياض، ويتحدث الحاضر بهذا الإخلاص، مصر لا تتاجر بالقضية في الفسطاط الكبير، ولا تتبضع مواقف، ولم تطلب يومًا ثمنًا، بل تدفع غاليًا عن طيب خاطر.
نقلا عن المصرى اليوم