هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
تزايد المخاوف بشأن العواقب الكارثية على الإنسانية في استخدام ولو سلاح نووي واحد، ناهيك عن لو حدثت حرب نووية إقليمية أو عالمية.
حيث يعد تحقيق نزع السلاح النووي العالمي أحد أقدم أهداف الأمم المتحدة. كان موضوع القرار الأول للجمعية العامة في عام 1946، وهناك محاولات للسيطرة على الطاقة النووية والقضاء على الأسلحة الذرية وجميع الأسلحة الرئيسية الأخرى القابلة للتكيف إلى الدمار الشامل. وتقوم الأمم المتحدة بالجهود الدبلوماسية الرئيسية لتعزيز نزع السلاح النووي منذ ذلك الحين. وفي عام 1959، أقرت الجمعية العامة هدف نزع السلاح العام الكامل. وفي عام 1978، أقرت الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة المكرسة لنزع السلاح كذلك بأن نزع السلاح النووي ينبغي أن يكون الهدف ذو الأولوية في مجال نزع السلاح. ويعمل كل أمين عام للأمم المتحدة بنشاط على تعزيز هذا الهدف، لان الحق في الحياة هو أهم قيمة أساسية لبقاء الإنسان والحضارة والكوكب ككل .
ويتضمن القانون الدولي الإنساني مبادئَ وقواعد أساسية تحكم اختيار الأسلحة وتحظر استعمال أسلحة معينة أو تقيّدها. وتضطلع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدور ريادي في التعريف بالقانون الذي ينظم استعمال أسلحة معينة، وتطويره.
وقد جاءت نصوص القانون الدولي الإنساني، ليضع حداً للمعاناة التي تسببها النزاعات المسلحة. ولهذه الغاية، حدد سلوك المقاتلين وقواعد اختيار وسائل الحرب وأساليبها بما فيها الأسلحة.
نصت المعاهدات الأولى في هذا المضمار على حظر استعمال المقذوفات المتفجرة التي يقل وزنها عن 400 جرام (عام 1868) والرصاصات التي تتفلطح ما أن تخترق جسم الإنسان (عام 1899). وفي 1925، اعتمدت الحكومات بروتوكول جنيف الذي يحظر استعمال الغازات السامة ووسائل الحرب الجرثومية. وتم تعديل هذه المعاهدة باعتماد اتفاقية الأسلحة البيولوجية عام 1972 واتفاقية الأسلحة الكيمائية عام 1993 اللتين جاءتا لتعزيز بروتوكول عام 1925 من خلال توسيع نطاق الحظر إلى حظر تطوير الأسلحة البيولوجية والكيمائية وإنتاجها وحيازتها وتخزينها والاحتفاظ بها ونقلها، والمطالبة بتدميرها.
وتنظم نصوص الاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة لعام 1980 استخدام عدد من الأسلحة التقليدية. فهي تحظر استعمال الذخائر ذات الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها بواسطة الأشعة السينية، وأسلحة الليزر المسببة للعمى. كما أنها تقيّد استعمال الأسلحة الحارقة والألغام والأشراك و"غيرها من النبائط". وكانت الاتفاقية أيضا المعاهدة الأولى التي وضعت إطاراً لمواجهة المخاطر الناجمة عن الذخائر غير المتفجرة والمتروكة في مرحلة ما بعد النزاعات.
وتم حظر الألغام المضادة للأفراد بموجب اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام لعام 1997. وكان لانضمام أكثر من ثلاثة أرباع بلدان العالم إلى هذه الاتفاقية وقع إيجابي في مجال تدمير المخزونات وإزالة الألغام وتخفيض عدد الإصابات ومساعدة الضحايا.
وفي 30 مايو 2008، اعتمدت 107 دولة الاتفاقية المتعلقة بالذخائر العنقودية. وأصبحت أحكام المعاهدة، اعتباراً من 1 أغسطس 2010، ملزمة قانوناً على 30 دولة صادقت عليها، وعلى الدول الأخرى التي تصادق على الاتفاقية، في وقت لاحق. وتكون الدول، باعتمادها الاتفاقية وتوقيعها، قد خطت خطوة كبيرة نحو إنهاء الموت والجراح والمعاناة التي تتسبب فيها تلك الأسلحة.
وفِي تقديري أن المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني, تحظر بشكل قاطع لا لبس فيه استخدام أسلحة التدمير الشامل , التي تشمل الأسلحة النووية.
جدير بالذكر إنه مع أن القوة المدمرة للأسلحة النووية تضعها في فئة خاصة، لا يوجد أي حظر شامل أو عالمي لاستخدامها بموجب القانون الدولي. إلا أن محكمة العدل الدولية خلصت في يوليو 1996 إلى أن استخدامها سيكون بصورة عامة مخالفاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعده.
وقد صدرت فتوي عن محكمة العدل الدولية بحظر استخدام أو التهديد بالأسلحة النووية وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون المتصل بتسيير الأعمال العدائية المسمي " قانون لاهاي "، واتفاقيات جنيف وخصوصاً في البرتوكولين الإضافيين لعام 1977.
تجدر الإشارة أن القانون الدولي الإنساني، نسج مبدأ التمييز, وحظر استخدام الأسلحة العشوائية, وحظر تسبيب معاناة المقاتلين بلا ضرورة, وأن الدول لا تملك حقا غير محدود لاختيار الوسائل في الأسلحة التي تستخدمها.
اما عن مبدأ التمييز : فهو يستهدف حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية ويقيم التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، وأن هذا مبدأ أساسي من مبادئ القانون الإنساني وفقاً للمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول. وتنشأ قواعد كثيرة من هذا المبدأ تتراوح بين قواعد تحدد مركز المقاتل وغير المقاتل وحظر تجويع السكان المدنيين.
اما عن حظر استعمال الأسلحة العشوائية الأثر.
يجب على الدول ألا تجعل المدنيين هدفاً للهجوم مطلقاً ولابد من عدم استخدام الأسلحة التي لا تستطيع التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية. وواضح أن أي سلاح باعتباره غير عاقل لا يستطيع بنفسه أن يحقق هذا التمييز .فالسلاح النووي هو إنكار للاعتبارات الإنسانية التي تكمن وراء القانون المنطبق في النزاع المسلح... فالسلاح النووي لا يمكنه التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية .
فالأسلحة النووية أجهزة متفجرة تنتج طاقتها من اندماج أو انشطار الذرة...ولا تطلق كميات هائلة من الحرارة والطاقة وحسب, ولكن أيضا إشعاعات قوية وطويلة الأمد.. وهذه الخصائص تجعل الأسلحة النووية تنطوي على آثار مأساوية. ولا يمكن احتواء القوة التدميرية التي للأسلحة النووية لا من حيث الحيز ولا من حيث الزمن. إن لها القدرة على تدمير الحضارة كلها والنظام البيئي بأكمله على الكوكب.
إن من شأن الإشعاع المنطلق من التفجير النووي أن يؤثر في الصحة والزراعة والموارد الطبيعية والديموغرافيا في مساحة بالغة الاتساع. كما أن استخدام الأسلحة النووية سيشكل خطراً شديداً على الأجيال القادمة. والإشعاع له القدرة على الإضرار في المستقبل بالبيئة والغذاء والنظام البيئي البحري وإحداث عيوب وراثية وأمراض في الأجيال القادمة.
فالسلاح النووي سلاح أعمى, ولذلك فإن بطبيعته يقوض القانون الدولي الإنساني, وهو القانون المعني بالتمييز في استخدام الأسلحة.
وان استخدام تلك الأسلحة يؤثر ببقاء الدولة نفسه، ووقوع معاناة واسعة النطاق وشديدة (سواء بسلاح نووي أو بأسلحة أخرى من أسلحة التدمير الشامل. حظر استخدام الأسلحة التي تسبب معاناة غير ضرورية أو أذى مفرطاً . لذلك يحظر استخدام الأسلحة التي تسبب قدرا من الأذى أو تزيد من شدة معاناتهم بلا فائدة... أكبر من القدر الذي لا يمكن تجنبه لتحقيق الأهداف العسكرية .
أن السلاح النووي يسبب معاناة غير ضرورية تتجاوز كثيرا أغراض الحرب والجميع يعلم آثار الأسلحة النووية في هيروشيما وناغازاكي وجزر مارشال, أن الآثار الإشعاعية كانت أسوأ مما تسببه الغازات السامة لذلك يجب احترام مبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام، وينص شرط مارتنز على أنه في حالة عدم وجود قاعدة معينة في القانون التعاهدي, يظل المحاربون " في حمى وتحت سلطة القانون العرفي، ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام. لقد وضع هذا الشرط أصلاً في ديباجة اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1899 وعام 1907, ودخل بعد ذلك في صلب نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 وفي ديباجة البروتوكول الثاني.
وبناء عليه فإننا ناشد جميع الدول عدم استخدام الأسلحة النووية نهائيًا وتحت أي ظرف، ويجب توعية العالم بشأن ضرورة إزالتها بالكامل، بما يعبئ الجهود الدولية لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في إيجاد عالم خال من الأسلحة النووية. والإسراع بإبرام اتفاقية شاملة تتعلق بالأسلحة النووية لحظر امتلاكها واستحداثها وإنتاجها وحيازتها واختبارها وتكديسها ونقلها واستعمالها أو التهديد باستعمالها وتنص على تدميرها .لان الأسلحة النووية تشكل خطر جسيم على البشرية جمعاء.