الأنبا إرميا
فى لقاء مفتوح بين الجالية الفلسطينية والقوى السياسية والمجتمعية والمدنية المصرية تضامنًا مع القضية الفلسطينية، فى حملة المترشح للانتخابات الرئاسية الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وبحضور المستشار محمود فوزى، بمقر الحملة الانتخابية لعام ٢٠٢٤، شرفت بالحديث عن مدينة «القدس».
بدايةً أود أن أشكر المسؤولين عن تلك الندوة، وأحيى اهتمامهم بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطينى، كما أحيى إخوتنا الفلسطينيين على تحملهم ما تعرضوا ومازالوا يتعرضون له من أجل بلادهم، وما بذلوه من دماء غزيرة فى سبيلها.
و«القدس» مدينة السلام، أرض البركات، إحدى المدن التى نالت شهرة فائقة فى التاريخ، ذات المكانة الكبيرة فى قلب كل مسيحى: فيها عاش السيد المسيح وأمه «السيدة العذراء»، وعلى أرضها أسس أول كنيسة مسيحية فى العالم بعِلِّية «القديس مرقس الرسول»، ومنها انطلق تلاميذه يبشرون بالمسيحية، ثم شهدِت أشد اضطهادات للمسيحيين على أيدى اليهود فسُفكت دماء شهداء بلا حصر، وكان أولهم «القديس استفانوس» رئيس الشمامسة.
ويُطلق على مدينة «القدس» عدة أسماء، منها: «المدينة المقدسة»، «مدينة الملك العظيم»، «مدينة داود» نسبة إلى «داود» النبى والملك. أمّا الاسم العبرى الذى تُعرف به مدينة «القدس» فهو «أورُشليم». وقد ورد اسم «أورُشليم» بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ٧٦٧ مرة، وذُكر اسم «المدينة المقدسة» ٧ مرات. وقد ورد أول ذكر لمدينة «أورُشليم» (القدس) بالكتاب المقدس عند لقاء أبينا إبراهيم أب الآباء و«مَلْكى صادَِق» ملك ساليم، وذلك بعد انتصاره على أربعة ملوك كانوا قد سبَوا «لوطًا» ابن أخيه والنساء وشعبًا كثيرًا: «فأتى مَن نجا وأخبر أبرام العبرانىّ.. فلما سمِع أبرام أن أخاه سُبى جر غِلمانه المُتَمَرِّنين، وِلدان بيته، ثلاث مائة وثمانية عشر، وتبِعهم إلى دان. وانقسم عليهم ليلا هو وعبيده فكسَّرهم وتبِعهم إلى حُوبة التى عن شمال دمشق، واسترجع كل الأملاك، واسترجع لوطًا أخاه أيضًا وأملاكه، والنساءَ أيضًا والشعبَ. فخرج ملك سَدوم لاستقباله، بعد رجوعه من كَسرة كَدَرْلَعَوْمَر والملوكِ الذين معه... ومَلْكى صادِق، ملك شاليم، أخرج خبزًا وخمرًا. وكان كاهنًا لله العلىّ. وباركه وقال: «مباركٌ أبرام من الله العلىّ مالك السماوات والأرض...». وكلمة «ساليم» تعنى «السلام»، ثم صار بعد ذلك اسم تلك البلدة «أورُشليم».
مدينة «أورُشليم (القدس)» تاريخيًّا
تأسست مدينة «أورُشليم» على يد اليَبوسيين الذين يُذكر عنهم: «اليَبوسيون هم بطن من بطون العرب الأوائل، نشأوا فى قلب الجزيرة العربية، ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكَنعانية التى ينتمون إليها، وأنهم أول من سكن «القدس»، وأول من بنى فيها لَبِنة». وقد دُعيت تلك الأرض بـ«أرض كَنعان»، إذ أمر الله إبراهيم أن يتغرب إليها، قائلا: ««اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إِلى الأرض التى أُريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظِّم اسمك، وتكون بركةً. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض». فذهب أبرام (إبراهيم) كما قال له الرب وذهب معه لوط. وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران. فأخذ أبرام ساراى امرأته، ولوطًا ابن أخيه، وكل مقتنياتهما التى اقتنيا والنفوس التى امتلكا فى حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كَنعان. فأتَوا إلى أرض كَنعان».
أما مدينة «أورُشليم» فقد سُميت آنذاك باسم «يَبوس» نسبةً إلى اليَبوسيين، فى الوقت الذى يُطلق اسم «أرض كَنعان» على مدينة «يَبوس» إضافة إلى المدن المحيطة بها. وقد أُنشئت المدينة على تل يحيط به واديان من الشرق والغرب ومنطقة منخفضة من الجنوب. وقد أُطلق اسم «أورُشليم» نسبة إلى الإله «شالم» الذى هو إله السلام عند الكَنعانيين. ويذكر الكتاب أن مدينة «يَبوس» هى نفسها «أورُشليم» فى عدد من المواضع، منها: «... وصَيلَع وآلَف واليَبوسىّ، هى أورُشليم»، وأيضًا: «فلم يُرِد الرجل أن يَبيت، بل قام وذهب وجاء إلى مقابل يَبوس، هى أورُشليم». ولايزال الحديث عن «القدس» يأخذنا.. والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم