مراد وهبة
كان السؤال الذى يدور فى ذهنى وأنا ذاهب إلى «لقاء الجمعة» بمنزل أستاذى الدكتور يوسف مراد: لماذا يكون الحضور مقصورًا على الشيوعيين من قسم الفلسفة من أمثال مصطفى سويف ومحمود أمين العالم ويوسف الشارونى وعباس أحمد؟.. ويوسف مراد يتكلم قليلًا ويصمت كثيرًا ويزعم أن سبب ذلك مردود إلى أنه يريد أن يفهم من هؤلاء مغزى الأحداث السياسية. فهل كان صادقًا فى هذا الزعم؟ أشك. وإليك الدليل: إنه يصدر مجلة «علم النفس» ثلاث مرات فى السنة، وقيمة الاشتراك خمسون قرشًا فى السنة. ومن هنا تأتى أهمية الرسالة التى أرسلتها سمو الأميرة شيوه كار إلى جماعة علم النفس التكاملى فى 20 مايو من عام 1945؛ أى قبل صدور المجلة فى شهر يونيو من هذا العام نفسه لتعبر عن رعايتها السامية. والمغزى أن المجلة ممولة منها. أضف إلى هذه الرعاية دعوة تنظيم الضباط الأحرار ليوسف مراد للمشاركة فى تنظيم الخدمة السيكولوجية فى أغسطس من عام 1952، ثم قبوله اقتراح الرئيس جمال عبدالناصر بأن يذهب إلى فرنسا لمدة ستة شهور لمعرفة كيفية إجراء الاختبارات، لترقية الضباط العظام. وفى هذا السياق أعد له مكتبًا برئاسة الجمهورية، وأخبرنى بأنه بعد العودة أكون معه معاونًا له، ولكن إثر عودته من مهمته، وجد مكتبه مغلقًا.. أما هو فوجد نفسه مقدمًا للمحاكمة بتهمة إجبار الطلاب على الاشتراك فى المجلة. أما عبدالناصر فقد وجد نفسه معزولًا من الجيش ابتداء من نهاية عام 1952 إلى عام 1967. وقد أشار إلى هذه العزلة فى اجتماعه مع قيادات الاتحاد الاشتراكى فى 2 أغسطس من عام 1967، أى بعد هزيمة الجيش فى حربه ضد إسرائيل فى يونيو من ذلك العام. فماذا قال؟.. أنقل الإجابة من محضر الاجتماع الذى نشرته جريدة «صوت الأمة» حيث انتقد فيه قائد القوات المسلحة عبدالحكيم عامر الذى قال عنه إنه شخص مدنى يرتدى زيًا عسكريًا. معلوماته العسكرية انتهت فى عام 1952 وكان يدير الجيش بالتليفون. وفى هذا الاجتماع، اعترف عبدالناصر بأنه هو شخصيًا لا يعرف شيئًا عن الجيش، وأنه فوجئ فى الحرب بأن الجيش يقاتل بأسلوب عام 1914. ووصف وزير الحربية شمس بدران بأنه «أبكم وأصم وغبى». اعتقله هو ومجموعة دفعة عام 1948.. ثم اختتم الاجتماع قائلًا: «الجيش.. أنا لا أعرف شيئًا».
أما ما حدث من اقتتال عنيف بين مجموعة عبدالحكيم عامر ومجموعة عبدالناصر وما قيل عنه من سبب موت عبدالحكيم عامر فى أنه مردود، إما إلى انتحاره أو قتله، فأنا أرجح قتله؛ لأن القول بانتحاره غير مقبول؛ لأن مَن يغرق فى الاستمتاع بملذات الحياة بلا توقف لا ترد إلى ذهنه فكرة الانتحار. أما يوسف مراد فلم يكن سبب محاكمته الضغط على الطلاب للاشتراك فى المجلة، إنما بسبب آخر خفىّ، وهو أنه أثناء إعداده رسالة الدكتوراة من جامعة السوربون كان وثيق الصلة بعالم النفس هنرى فالون، الذى كان عضوًا فى الحزب الشيوعى الفرنسى، وفى أثناء الحرب العالمية الثانية مُنع من التدريس من قِبل حكومة فيشى التى كانت متعاونة مع الحزب النازى بقيادة هتلر وانضم إلى المقاومة، وبعد التحرر عُين وزيرًا فى الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية بقيادة شارل ديجول. وفى عام 1946، أرسل مقالًا خاصًا لمجلة علم النفس بعنوان «أثر الآخر فى تكوين الشعور بالذات». وقد ترجم المقال يوسف مراد، كما علق على كتاب فالون المعنون «من الفعل إلى الفكر» الذى كان قد أهداه إليه. وجاء فى التعليق أن الدكتور فالون عالم بكل معنى الكلمة؛ أى أنه يعتقد أن التفسير العلمى لا يتم ولا يكتمل إلا إذا ارتقى إلى مستوى النظرية الفلسفية. وفى هذا السياق كله يلزم النظر إلى يوسف مراد ليس على أنه مجرد عالم أو فيلسوف وإنما أنه رجل سياسة.
نقلا عن المصرى اليوم