حمدى رزق
قصيدة «وجدتُكَ أعطيتَ الشجاعةَ حقّها» للشاعر «أَبوالعَلاء المَعَرِى»، تستأهل قراءة جديدة تحت وطأة القصف الإسرائيلى البربرى على غزة.
وبتصرف «وجدتُكَ أعطيتَ الإنسانية حقّها»..
هذه السطور المتواضعة عن رجل عنده ضمير يدعى «أنتونيو مانويل دى أوليفيرا جوتيريش»، يصدق فى الرجل القول: «لو أراد الرجل أن يكون شجاعًا فليقم بمطاوعة ضميره».
والرجل (جوتيريش) من مواليد البرتغال فى إبريل ١٩٤٩، تولّى منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ يناير ٢٠١٧ خلفًا لـ«بان كى مون».. قبلها كان يشغل منصب رئيس وزراء البرتغال من ١٩٩٥ حتى ٢٠٠٢، كما تولى لفترة رئاسة الأممية الاشتراكية، وشغل أيضًا منصب المفوض السامى للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من يونيو ٢٠٠٥ حتى ديسمبر ٢٠١٥.
حكيم مجهول يقول: «لا تصمت عن قول الحق مهما كان مُرًّا، فعندما تضع لجامًا فى فمك سيضعون سرجًا على ظهرك».
«جوتيريش» لا يطيق لجامًا على فمه، فقصفته حكومة الحرب بوابل من القصفات السياسية ستكلفه منصبه.. وهذا محض توقع، من تغضب عليه البنت المدللة يبوء بغضب ماما أمريكا.
وزير الخارجية الإسرائيلى «إيلى كوهين» خرج يُعنف «جوتيريش»، فقط لأنه قالها صريحة مفجعة: «غزة تتحول إلى مقبرة للأطفال»، «كوهين» عبر حسابه على «إكس» يقصف «جوتيريش»: «ألا تخجل من نفسك»!
وكأنه أخطأ فى نبوءة أشعياء، «كوهين» فتح باب الجحيم على «جوتيريش»، حقيقة لم يصمت «جوتيريش» من أول لحظة عن إدانة العدوان الإسرائيلى، ورغم الضغوط الدولية للجمه لكنه يزعق فى حكومات العالم لإنقاذ أطفال غزة، أخشى سيحترق وجهه بالفسفور الأبيض.
«جوتيريش» برز فى المجزرة بوجه مغاير لما ألفناه سابقًا من الأمناء العامين للأمم المتحدة، كان بعضهم يتدارى خجلًا ويلجم فمه، وبعضهم كان يكتفى بالإدانة الخجولة، فحسب يسجل موقفًا، لكن «جوتيريش» تحلى بالإنسانية قبل الشجاعة.
قالها صريحة فى وجه دعاة الحرب: «قلق عميق بشأن الانتهاكات الواضحة للقانون الإنسانى الدولى التى نراها فى غزة، كل طرف فى أى نزاع مسلح ليس فوق القانون الإنسانى الدولى».
عاجلته إسرائيل بقصفة صاروخية، فمررها متراجعًا للخلف خطوة متفاديًا الصدام المباشر، وعطف مجددًا على الأبرياء، وصرخ تاليًا من على معبر رفح: «خلف هذه الأسوار هناك أكثر من ٢ مليون شخص يعانون، لا يوجد لديهم طعام أو شراب أو أدوية.. نحتاج إلى دخول الطعام والدواء فورًا».
ورغم حملة الترهيب الإسرائيلية التى بلغت حد الابتزاز السياسى الرخيص ومطالبته بالاعتذار، وضغوط العواصم الكبرى سيما الضغط الأمريكى ليصمت تمامًا عن هول ما يرى، لايزال السياسى البرتغالى المخضرم مُصرًّا، يصدح بحجم المأساة الإنسانية فى غزة.
ورغم لغته الدبلوماسية التى هى من مسوغات وظيفته، فكلماته ذات الطابع الإنسانى، لها وقع ثقيل على قادة الحرب البربرية، يحاولون إسكاته بشتى الطرق ولكنه ماضٍ لا يلوى على شىء، ولا حتى منصبه، ماذا يفيد المنصب الرفيع إذا تخلى عن واجبه الإنسانى؟
يُذكّرك «جوتيريش» بطيب الذكر المصرى العظيم الدكتور «بطرس غالى»، نيح الله روحه، الذى دفع ثمن وقفته الشجاعة الرافضة للغزو الأمريكى للعراق، ندرة من الرجال، موقفه أهم من منصبه، ويُسخّر منصبه للوقوف فى وجه الظلم والطغيان.
نقلا عن المصرى اليوم