القمص انجيلوس جرجس شنودة
حين نكتب ونعيد قرارات حرمان مجمع خلقيدونية لأن هذا المجمع كان يقرر إيمان نسطور وأفكاره، يرد البعض بأنه كيف هذا وهو قد حرم نسطور؟ ولكننا نرد على هذا الادعاء بأن خلقيدونية حرم نسطور كشخص لأنه حُرم في مجمع مسكوني وهو أفسس الأول، ولكنهم أقروا أفكاره بطريقتين:

الأولى؛ حين أعادوا الأساقفة النساطرة المحرومين في مجمع أفسس الثاني عام 449م وهم معلمون نساطرة يقودهم ثيؤذوريت أسقف كورش وهيباس أسقف الرها.

الطريقة الثانية؛ وهي إقرار منشور لاون كأساس للإيمان الذي فيه يقر طبيعتين للسيد المسيح دون أن يعترف بالطبيعة الواحدة.

ويقول القديس ساويرس الأنطاكي على منشور لاون: "إنه بلا شك قال بأن الطبيعتين يتصرفان كفاعلان منفصلان، إنه يقسم الواحد إلى طبيعتين وشخصيتين كل منهما يقوم بمعزي عن الآخر".

ويقول أيضاً: "كما تقول كلمات لاون عديمة التقوى، حينما قال إن كل واحد من الهيئتين تقومان بالمشاركة مع الأخرى بما ينتمي لها".

وقد أدرك جستنيان أن تعاليم الثلاثة النساطرة الكبار هي سبب هذا الانشقاق ففكر في حرمان كتاباتهم حتى يقضي على الفكر النسطوري، ولكن الخلقيدونيين أظهروا نسطوريتهم بالتمسك بأفكار وإيمان الثلاثة النساطرة.

وبدأ الإعداد إلى مجمع في القسطنطينية للتفاهم بين جستنيان وبين بابا روما بعد الرسالة التي أرسلها فيجيليوس من خلقيدونية التي هرب إليها من جنود جستنيان، وكانت الرسالة تدعو إلى التفاهم بعمل مجمع موسع تحضره كل الكنائس لمناقشة حرمان الفصول الثلاثة ويناقش أسباب الخصومات التي حدثت وإزالتها. وعليه سمح جستنيان لبابا روما بالعودة، ولكنه بعد عودته أرسل رسالة أخرى يطلب فيها إلى عقد المجمع في روما ويحضره أساقفة محددة وليس الكل وهذا ليضمن سيطرته على قرارات هذا المجمع.

ولكن جستنيان رفض لأنه كان يريد أن يحقق وحدة الكنائس تحت سلطانه بأي ثمن فأصر أن يكون المجمع في القسطنطينية في خمسة مايو عام 553م وحضره 168 أسقفاً. ورفض بابا روما الحضور وأرسل أساقفة مندوبين عنه فكان المجمع برئاسة ميناس بطريرك القسطنطينية الخلقيدوني وتسعة أساقفة من شمال أفريقيا وإحدى عشر أسقفاً من الغرب والبقية من كنائس الشرق.

وبدأ المجمع برسالة قدمها جستنيان يوضح فيها الأساقفة الذين وقعوا على إدانة الفصول الثلاثة، فقدم مندوبين بابا روما وثيقة وقع عليها عشرون لاهوتي من الكنيسة الغربية يرفضون فيها إدانة الفصول الثلاثة كما قدموا طلباً من بابا روما بإعادة الهيبة والنفوذ الأعلى للكرسي الرسولي في روما وأنه هو الكرسي المبارك من اللـه ولا يجوز لرجال الدولة التدخل في شئونه. فكان رد جستنيان برسائل ثلاثة إلى المجمع:

الأولى؛ اتفاقاً سرياً تم بين جستنيان وبين بابا روما فيجيليوس عام 547م وقع فيها البابا على حرمان الثلاثة ثيؤدور المبسوستي وثيؤذوريت أسقف كورش وهيباس أسقف الرها.

وقدم وثيقة ثانية فيها تعهد بابا روما بإجبار الأساقفة الآخرين لإدانة مؤلفات الثلاثة النساطرة الكبار.

والوثيقة الثالثة كانت عبارة عن مرسوم بابوي يتعهد فيه فيجيليوس بعدم الدخول في خصومات ومشاحنات تؤدي إلى معاداة القيصر.

وحين قدم جستنيان هذه الوثائق سيطر ميناس على المجمع ولم يستطع مندوبين بابا روما أن يتكلموا أو يعترضوا، فقرر المجمع الذي اعتبروه مسكوني خامس وهذا خطأ لأن المجمع المسكوني لابد أن يكون ممثل فيه كل كنائس العالم ويكون فيه وحدانية للإيمان لكل الحاضرين وحين يجد المجمع ما يكسر وحدة الإيمان أما أن يحرم هذا الأسقف أو يسقط من المجمع صفة المسكونية حين لا يكون هناك اتفاق على الإيمان.

وقرر المجمع حرمان ثيؤدور المبسوستي وعرضوا أفكاره التي قال فيها: "أن المسيح لم يكن إلهاً متجسداً، ولكنه إنسان متأله، بل وقال إن مارتوما حين رأى المسيح ورأى آثار المسامير بيد يديه (بو20: 28) وقال: "ربي وإلهي" لم يكن هذا اعتراف بألوهية المسيح، ولكنه كان انبهاراً مثلما يرى إنسان كنزاً فيه جواهر يقول: "يا إلهي"".

وكانت تعاليم الاثنين الآخرين لا تقل هرطقة عنه فقد علم ثيؤذوريت أسقف كورش مثل معلمه إنه لم يحدث اتحاد بين الطبيعتين، ولكنه كان وجه "بروسبون" مثل اتحاد الزوجين في سر الزيجة ليس بصورة طبيعة واحدة، ولكنهما يظلان منفصلين رغم قول الاتحاد الزيجي. ونفس الأفكار رددها هيباس أسقف الرها الذي كتب رسالة إلى ماريس أسقف فارس ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير. وقد قرئت رسالته في مجمع خلقيدونية وفيها تعاليم النسطورية، ولكن المجمع وافق عليها ولم يحرمه هو وثيؤذوريت أسقف كورش.

كما ناقش المجمع أيضاً انتشار أفكار أوريجانوس مرة أخرى وانتهى المجمع بالقرارات الآتية:
1- حرمان كتابات الثلاثة (ثيؤدور المبسوستي أو الميصي، ثيؤذوريت أسقف كورش، هيباس أسقف الرها) وسُميت “Three Chaters controversles”.

2- حرمان كتابات أوريجانوس ومن يؤمن بها.
3- حرمان أريوس ونسطور وأوطاخي ومقدونيوس وأبوليناريوس.

4- أدان المجمع تصرفات بابا روما فيجيليوس التي أثارت خلافات مع القيصر وإلزامه بتقديم اعتذار للقيصر وإبداء التوبة على أفعاله.

وصلت القرارات إلى بابا روما فرفضها كلها، فأمر جستنيان بنفيه إلى جزيرة مرمرة وأن يظل هناك حتى يخضع لقرارات المجمع. ولكن بعد ستة أشهر ساءت صحته وكان يتألم من آثار حصوات في الكلى فأرسل إلى ميناس بطريرك القسطنطينية يعلن خطيئته ويبدي ندمه ويطلب المغفرة. فحاول ميناس التوسط لدي جستنيان أن يصفح عنه، ولكنه لم يوافق على الصفح لأنه لم يكتب صراحة قبوله لقرارات المجمع. ولكن ساءت صحة فيجيليوس فنقل إلى مسقط رأسه وفي الطريق مات عام 554م. كل هذا العنف والانشقاق والاضطراب كان من نتائج خلقيدونية صنيعة الشيطان وأعوانه.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين