محرر الأقباط متحدون
بعث البابا فرنسيس هذا الجمعة برسالة إلى المشاركين في منتدى باريس السادس حول السلام والذي يُعقد في العاصمة الفرنسية يومي الجمعة والسبت بمشاركة عدد كبير من الشخصيات العالمية تمثل الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والعالم الأكاديمي يبحثون معا عن حلول مشتركة لأهم التحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر. عاد البابا ليؤكد أن الحرب تشكل هزيمة للبشرية، لافتا إلى أن السلام لا يُبنى بواسطة الأسلحة، لكن من خلال الإصغاء الصبور والحوار والتعاون، ومتمنيا أن تحمل النقاشات ثمار السلام والأخوة.
في الرسالة التي حملت توقيع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين شاء الحبر الأعظم أن يوجه كلمة تشجيع إلى المشاركين في المنتدى، الذي وصل هذا العام إلى نسخته السادسة، آملا أن يتمكن اللقاء – الهادف إلى إرساء أسس الحوار بين كل القارات من أجل تعزيز التعاون الدولي – من الإسهام في بناء عالم أكثر عدلاً وتضامناً وسلاما.
بعدها لفت البابا إلى أن المنتدى يُعقد هذا العام ضمن سياق عالمي مؤلم للغاية وكتب: في وقت نشهد فيه تكاثر الصراعات المسلحة، مع ما تحمل معها من آلام وظلم وما تُلحقه من ضرر في بيتنا المشترك، نأمل أن يشكل المنتدى علامة للأمل. وتمنى فرنسيس في هذا السياق أن تتمكن التعهدات التي سيأخذها المؤتمرون على عاتقهم من تعزيز حوار صادق، يرتكز للإصغاء إلى صرخات جميع المتألمين بسبب الإرهاب والعنف المستشري والحروب، بالإضافة إلى العديد من الآفات التي تعود بالفائدة على جماعات قليلة وتغذي مصالح خاصة وغالباً ما تكون مختبئة وللأسف وراء النوايا النبيلة.
هذا ثم أكد الحبر الأعظم أن السلام هو عمل بطيء وصبور يتطلب شجاعة والتزاماً ملموساً من قبل جميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، والحريصين على حاضر ومستقبل البشرية وكوكب الأرض. وأشار فرنسيس إلى أن السلام الدائم يُنبى يوماً بعد يوم من خلال الامتنان والاحترام وتعزيز كرامة الشخص البشري وحقوقه الأساسية، ومن بينها الحق في السلام، الذي هو شرط أساسي لممارسة باقي حقوق الإنسان، كما يؤكد الكرسي الرسولي.
تابع البابا رسالته إلى المشاركين في منتدى باريس السادس حول السلام مذكراً بأن هذا العام تصادف الذكرى السنوية الخامسة والسبعون لتبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأكد أنه يتعين علينا اليوم أن نقر بأنه بالنسبة لملايين الأشخاص المنتشرين في القارات الخمس، ما تزال توجد هوة بين التعهدات العلنية التي اتُخذت في العاشر من كانون الأول ديسمبر ١٩٤٨ والواقع الراهن، وهذه الهوة تكون كبيرة أحياناً كثيرة.
وتساءل فرنسيس بعدها: كم من الأشخاص، بما في ذلك الأطفال، محرومون من الحق الأساسي والأولي في الحياة وفي السلامة الجسدية والذهنية، لاسيما بسبب الصراعات القائمة بين جماعات أو بلدان مختلفة؟ كم من الأشخاص هم اليوم محرومون من حقوقهم الأساسية بسبب الصراعات، شأن الحق في مياه الشرب والتغذية السليمة، كما أيضا الحق في الحرية الدينية والصحة والسكن اللائق والتربية الجيدة والعمل الكريم؟ كم من الأطفال يُجبرون اليوم – بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – على المشاركة في القتال وهذا ما يُلحق بهم ندباتٍ جسدية ونفسية وروحية ترافقهم طيلة حياتهم؟
بعدها كتب البابا أنه على الرغم من التأكيد على الحق – غير القابل للتصرف – في الدفاع المشروع عن النفس، مسؤولية توفير الحماية للأشخاص المعرضين للخطر، لا بد من الاعتراف بأن الحرب تشكل دائماً هزيمة للبشرية. لا توجد حرب تستأهل دموع أم ترى ابنها يُشوه أو يموت؛ لا توجد حرب تستأهل موت شخص واحد، لأن الحياة لها قدسيتها وكل شخص مخلوق على صورة ومثال الخالق؛ لا توجد حرب تستأهل تسميم بيتنا المشترك، أو تستأهل يأس من يُجبرون على ترك بلدانهم، بين ليلة وضحاها، والتخلي عن بيوتهم وعن روابطهم العائلية والمجتمعية والثقافية، التي بُنيت على مر الأجيال.
هذا ثم أكد الحبر الأعظم أن السلام لا يُبنى بواسطة الأسلحة، لكن من خلال الإصغاء الصبور والحوار والتعاون، لأنها الوسائل الوحيدة التي تليق بالكائن البشري والقادرة على حل الخلافات. وفي هذا السياق شاء البابا أن يجدد النداءات المتكررة التي أطلقها الكرسي الرسولي في أكثر من مناسبة داعيا إلى إسكات الأسلحة وإلى إعادة النظر في إنتاج أدوات الحرب والدمار والاتجار بها، وإلى السير بحزم في الدرب المؤدية نحو نزع السلاح بشكل تدريجي وكامل، كي نتمكن من تحقيق السلام.
في ختام رسالته إلى المشاركين في منتدى باريس السادس حول السلام، وجه البابا فرنسيس كلمة شكر إلى الجميع وعبر عن أمله بأن تكون النقاشات، التي ستجري على مدى يومين، غنية ومثمرة، وبأن تسمح بالإصغاء والتلاقي مع كل شخص في إطار التنوع، كي تنمو ثقافة السلام وتحمل ثمارا ملموسة، التي هي ثمار الأخوة.
من بين المشاركين في أعمال منتدى باريس حول السلام لهذا العام، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيس جمهورية غانا نانا أكوفو آدو، بالإضافة إلى أستاذ العلوم السياسية غسان سلامة.