عبد اللطيف المناوي
ذلك المشهد الذي انتشر أمس لآلاف الفلسطينيين يحملون أعلامًا بيضاء في رحلة النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، يحملون إحساس المرارة والألم، ويروون روايات مأساوية عن الرحلة. مشهد يتكرر مع الفلسطينيين عبر الزمن. في كل المشاهد الموَثِّقة قديمًا لتاريخ القضية الفلسطينية نرى ذات المشهد ولكن أبيض وأسود، وليس مصورًا بتقنية الدرون. ولكن نفس الألم والإحساس بالمأساة. يبدو وكأن تعبير «النزوح» تم صكه خصيصًا للفلسطينيين.
المئات من سكان غزة يتجهون جنوبًا، وهم يرفعون أيديهم ملوحين بأعلام بيضاء في رحلة نزوح قاسية، هربًا من الأوضاع الإنسانية المتردية شمال القطاع، الذي يشهد أوضاعًا إنسانية صعبة في ظل القتال المتواصل.
ويقول معظم النازحين، من شمال القطاع إلى جنوبه، في شهاداتهم، إنه ومع توغل القوات البرية الإسرائيلية في شمال القطاع، فإنه لم يعد هناك مأكل ولا مشرب هناك، وإن المعاناة صارت لا تحتمل لمن يريد البقاء في الشمال.
يعدُّ مفهوم «النزوح» بشكل عام من الأدبيات والمفاهيم حديثة النشأة؛ إذ إن مفهوم النزوح من أكثر المفاهيم اتساقًا بمفهوم «اللجوء»، ويُشار إلى عملية النزوح بأنها تختلف بالمضمون عن عملية اللجوء؛ إذ إن النازحين هم أشخاص لم يعبروا حدودًا دولية كاللاجئين، ولكنهم بقوا مهجرين داخل أوطانهم؛ أي نزحوا من منطقة إلى منطقة أخرى داخل حدود وطنهم بفعل اندلاع حرب واضطرابات أجبرتهم على عملية النزوح.
ويبقى النازحون داخليًّا في عمومية الحالة ضمن بلدانهم وفى حماية حكوماتهم، حتى وإن كانت تلك الحكومات السبب في نزوحهم، وغالبًا ما ينتقلون إلى مناطق ذات ظروف معقدة ويصعب تقديم المساعدات الإنسانية لهم، ونتيجة لذلك، يُعدُّ هؤلاء الأشخاص من الفئات الأشد ضعفًا في العالم.
رحلة النزوح إلى جنوب قطاع غزة لا تقل خطورة عن البقاء في شماله، وفق شهادات النازحين أيضًا، فمعظم هؤلاء يصفون شعورهم بالخوف الشديد خلال الرحلة الطويلة، التي قطعوها سيرًا على الأقدام، وهم يحملون الراية البيضاء.
يقول النازحون، من شمال القطاع إلى جنوبه، في روايتهم لرحلة النزوح، إنهم تركوا منازلهم بعد أن ألقت إسرائيل عليهم منشورات، تحثهم على الرحيل «رأينا جثثًا، وأشلاء، الناس تترك دوابها وتكمل طريقها مشيًا»، هكذا وصفوا رحلتهم ثم يضيفون قائلين «نحن لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام».
منذ بداية الحرب قبل أكثر من شهر، حث الجيش الإسرائيلى المدنيين الفلسطينيين على إخلاء شمال القطاع، ما اضطر نحو 1.5 مليون نسمة، وفق تقديرات أممية، للنزوح داخل القطاع، سواء نحو الجنوب أو بين أحياء مدينة غزة.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، نزح حوالى 600 ألف فلسطينى من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، رضوخًا لتحذيرات الجيش الإسرائيلى الذي دعاهم إلى الانتقال جنوبًا.
ومع تشديد إسرائيل قبضتها على غزة، يزداد الوضع تدهورًا في شمال القطاع، وسط استمرار النزوح الذي يبدو كأنه صار قدرًا للفلسطينيين.
نقلا عن المصري اليوم