لا تميز الحرب في غزة بين إمراة ورجل، لا بين كبير في السن أو صغير، فقد قلبت حياة الغزيين رأسا على عقب ويبقى الأطفال الحلقة الأضعف في كل الصراعات.

تكتظ بهم خيام النازحين ومراكز الإيواء من الحرب الإسرائيلية في غزة، هم أطفالٌ تغيرت حياتهم بعد أن قلبت الحرب أحوالهم، فهذا يحيى مع أقرانه أصبح بائعاً لأمشاط الشعر، ومحمود الذي اختار بيع الحلوى للصغار، إذ لم تدع الحرب لهم خيارات أخرى بعد أن أجبرتهم على ترك مقاعد الدراسة وأخضعتهم لصراعٍ مع البقاء.

يقول محمود حمتو وهو طفل نازح يبيع الحلوى: "أضطر للعمل الآن حتى أوفر المال.. وهي المرة الأولى التي أعمل فيها، ففي غزة لم يسبق لي العمل كما أني صحيا غير قادر على الوقوف لوقت طويل وهذا مؤلم".

بين ازدحام النازحين في خيام اللجوء جنوبي القطاع يعيش الأطفال الناجون من الحرب في ظروف إنسانية وصحية قاسية، أجبروا فيها على ما لم يألفوه من العمل والخوف وطول الانتظار.

وتضيف الطفلة ميس أبو حمدان نازحة من غزة تتعلم الخبز على الحطب في حديثها لسكاي نيوز عربية: "أتعلم الخبز والطبخ عن أمي، فأنا لا أرغب في شيء أكثر من العودة لبيتي.. لا أريد العيش في الخيام وتقاسم الحمامات مع بقية الموجودين هنا وانتظار الدور للحصول على الماء أو الاستحمام والبقاء بنفس الملابس لأيام طويلة".

السيدة ثريا كانت على صلة وثيقة بالأطفال قبل الحرب بحكم عملها مشرفة على رياض غزة'> الأطفال في غزة وباتت اليوم بينهم أيضاً في مراكز الإيواء والنزوح شاهدة على مخاطر ظروفهم وفقدان حقوقهم.

وعن هذه المخاطر قالت ثريا عمار، نقيب رياض غزة'> الأطفال في غزة: "لا يحظى الطفل هنا على أدنى مقومات الحياة وأدنى حقوقه فهو يفتقد إلى جميع احتياجاته الأساسية من ماء وغذاء ورعاية صحية خاصة أمام تفشي الفيروسات في المكان".

مخاطر إنسانية وصحية لتداعيات حربٍ تضع مستقبل الأطفال في مصير مجهول.

نالت الحرب من غزة'> أطفال غزة بشكل بليغ فقتلت وأصابت منهم ما يقرب من نصف الضحايا والجرحى ، فيما قلبت حياة من بقي منهم حياً رأساً على عقب.

"رحلة الشؤم"
بكلمة "رحلة الشؤم"، وصف أحد الفلسطينيين قصّة نزوحه الإجبارية من شمال قطاع غزة إلى جنوبها، لما يعانيه النازحون من ويلات في الطريق أو بعد وصولهم للجنوب، ما جعل بعضهم يرى أن الخطر لم ينتهِ بعد ترك منازلهم.

ولا يوجد عدد دقيق لمَن نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث لم تتوقّف المطالب الإسرائيلية للسكان بالتوجّه إلى الجنوب منذ اندلاع المعارك أكتوبر الماضي.

أظهرت مقاطع فيديو على وسائل إعلام عالمية مسيّرات لآلاف الفلسطينيين حاملين أبناءهم وأغراضهم، رافعين رايات بيضاء وهم متّجهون لأقرب مكان توجد فيها إعاشة وخدمات تقدّمها منظّمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

ويروي شهود عيان لموقع "سكاي نيوز عربية" ما دفعهم للنزوح جنوبا، بعد تلقيهم تهديدات من الجيش الإسرائيلي، بحجة أن المناطق التي بها مساكنهم صارت منطقة عمليات عسكرية.

يعيش المرضى من سكان قطاع غزة واقعا صحيا صعبا، فرضته الحرب الإسرائيلية، لا سيما مع خروج غالبية المستشفيات عن الخدمة بسبب نفاد الوقود والأدوية ونقص المعدات الطبية. كاميرا "سكاي نيوز عربية" رصدت أوضاع بعض من هؤلاء المرضى.

بخطى ثقيلة يجهدها الإعياء من المرض والنزوح، وجد إسلام أبو رقعة ربَ الأسرة المريض بالسرطان، مكاناً له ولأسرته داخل مدرسة تؤوي نازحين من الحرب جنوبي قطاع غزة.

اتخذت العائلة من مختبر العلوم في هذه المدرسة ملجأً لها بعد قصفٍ ادى لتدمير منزلهم في خان يونس جنوبي القطاع، في مصادفة تجسد مقاربة الصراع من أجل البقاء وسط الحرب.

فهنا يحاول إسلام الاعتماد على نفسه في تلقي الرعاية الصحية من مضاعفات مرضه بالسرطان بعد جلائه وأفراد عائلته من مستشفى الصداقة التركي الذي كان يؤويهم ويقدم لهم العلاج قبل أن يخطر بالإخلاء ويخرج عن الخدمة بفعل القصف الإسرائيلي ومحاصرته بالدبابات جنوب غربي غزة.

ويقول أبو رقعة في حديثه لسكاي نيوز عربية: "بسبب هذه الحرب التي أقيمت على غزة تدهور وضعي الصحي كثيرا لعدم تمكني من تلقي العلاجات اللازمة الى جانب إيقاف وتعطيل التصريح الذي بحوزتي للسفر وتلقي العلاج.. هذا إلى جانب غياب التغذية الصحية اللازمة لي".

أما لينا زوجة إسلام فهي الأخرى تعاني من الفشل الكلوي وتحاول رغم قسوة التهجير والمرض وشح الأدوية القيام بمسؤولياتها في رعاية نفسها وزوجها وابنها الذي تبرع لها بإحدى كليتيه وما يزال طريح الفراش.

هي قصة من بين مئات وربما أكثر لمن نزحوا كمرضى ومصابين من مستشفيات غزة التي لم تسلم من ويلات حرب إسرائيل على القطاع.

استهداف المستشفيات في مدينة غزة وخروجها عن الخدمة بعد أن حاصرتها الدبابات الإسرائيلية خلفت مضاعفات صحية خطيرة على حياة آلاف المرضى والمصابين الذين أخروجوا منها قسراً وباتوا بين أوساط النازحين في ظروف إنسانية صعبة يفتقدون فيها للعلاج لأبسط حقوق الرعاية الصحية.

انتشار الأوبئة يهدد سكان غزة
يدفع الاكتظاظ في الملاجئ والمخيمات نحو واقع صحي مخيف في ظل نقص المساعدات الإنسانية بفعل الحصار الإسرائيلي المطبق.

مؤشرات الإصابة بالأمراض باتت مؤكدة، حيث كشفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، عن تسجيل إصابة ما يقرب من 55 ألف شخص بالتهابات حادة في الجهاز التنفسي، وما يفوق عن 33 ألفا بحالات إسهال حاد معظمها من الأطفال ما دون سن الخامسة.

حذرت المنظمة من احتمال انتشار موجة كبيرة من الأوبئة، تهدد بإصابة نحو 600 ألف شخص مهدد بالإصابة لانعدام الشروط الصحية، ولتسبب أزمة الوقود في شل مفاصل الحياة، حيث توقفت أنشطة إدارة الصرف الصحي وجمع النفايات في غزة، والخوف الأكبر من شرب مياه ملوثة بعد توقف محطة تحلية المياه عن العمل واعتماد سكان غزة على المياه الجوفية والصهاريج.

وضع قد ينذر بكارثة يصعب السيطرة عليها في ظل توقف أكثر من نصف المؤسسات الصحية عن الخدمة وشبه انعدام الدواء.

وحول الوضع الإنساني في قطاع غزة، يقول المتحدث الرسمي باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان لندمير في حديث لسكاي نيوز عربية:

    لا يمكن لسكان غزة مواصل العيش في مثل هذه الظروف القاسية من انقطاع للمياه الصالحة للشرب وتفاقم انتشار النفايات من حولهم.
    غياب كل مقومات العيش يجعل من سكان غزة يعيشون في أزمة إنسانية وصحية بمعنى الكلمة.
    بإمكان الوضع أن يزداد خطورة خاصة مع غياب المنشآت الصحية والعلاجية اللازمة.
    التخوف من سرعة انتقال عدوى بعض الأمراض الخطيرة بين سكان غزة أمام غياب المراقبة الصحية وتجمعهم في ملاجئ مكتظة وضيقة.
    تسعى منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني ووزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى تحسين الوضع الصحي في القطاع رغم صعوبة الأمر في الوقت الحالي مع انتشار بعض الأمراض.

تحذير من موت عشرات الأطفال
اكتظت جميع أقسام مستشفى شهداء الأقصى وسط غزة بالمصابين والنازحين، في الوقت الذي اقترب فيه الوقود المستخدم لتشغيل المولد الوحيد في المستشفى من النفاد.

ولم تتبق سوى ساعات قليلة تفصل الرضع في الحضانات ومرضى الرعاية المركزة عن الوفاة، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، وفق تحذير المدير الطبي للمستشفى، إياد الجبري.

يأتي ذلك وسط تخوفات الأطقم الطبية من أن يخرج مستشفى شهداء الأقصى عن الخدمة، مثل مستشفى الشفاء وغيرها من مؤسسات القطاع الصحي.

وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، حذر الجبري من أن "حياة أكثر من 35 رضيعا في الحضانات ونحو 20 آخرين مودعين في قسم الرعاية المركزة على المحك، إذا لم يتوفر وقود كاف خلال ساعات".

وكشف الجبري عن معاناة وحدات الرعاية الفائقة للأطفال حديثي الولادة في قطاع غزة، من حيث:

    النقص الحاد في الوقود وانقطاع الكهرباء، مما قد يتسبب في موت الأطفال في الحضانات ممن يعتمدون في الأيام الأولى من حياتهم على أجهزة التنفس الاصطناعي، حيث "سيحدث ذلك في غضون دقائق من انقطاع الكهرباء عن حضاناتهم".
    النقص الحاد وغير المسبوق في الأدوية الأساسية للرضع بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ بداية الحرب، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية جديدة.

وتطرق الجبري للحديث عن مستشفى شهداء الأقصى على وجه التحديد، قائلا إن:
    35 طفلا من الخدج معرضون للفظ أنفاسهم الأخيرة في المستشفى، نظرا لعجز الكوادر الطبية عن خدمتهم بسبب اقتراب الوقود على النفاد.
    الرضع في العناية المركزة لحديثي الولادة معرضون لخطر الموت، بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء عنهم.
    18 من مرضى العناية المركزة معرضون للموت من جراء نقص الأدوية والمعدات الطبية الضرورية لحياتهم.
    340 مريضا بالفشل الكلوي بالمستشفى يواجهون خطرا داهما من جراء الأزمات المتتالية، التي تعصف بالخدمات الطبية والمستلزمات وغيرها من المواد الضرورية، منذ بدء الحرب على قطاع غزة.
    جميع أقسام المستشفى تضررت بسبب القصف المتواصل في محيطه، وأثر ذلك بشكل كبير على قسم العمليات، وقد يتسبب في خروج المستشفى عن الخدمة.
    المستشفى يعمل بقدرة تفوق قدرته الاستيعابية، فقد كان يقدم خدماته لحوالي 350 ألف نسمة، وبعد عمليات النزوح بات مطالبا بخدمة مليون شخص، فأصبحت الأقسام مكتظة بالمرضى والجرحى.
    المرضى المقيمون والنازحون في المستشفى يعانون شحا في المواد الغذائية.
لمشاهدة الفيديو أضغط هنـــــــــــــأ