كتب - محرر الاقباط متحدون
صدرت رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي الثّامن والثّلاثين للشباب ٢٠٢٣ ، تحت عنوان "كُونوا في الرَّجاءِ فَرِحين"، كتب فيها في شهر آب أغسطس الماضي التقيت بمئات الآلاف من أقرانكم، من جميع أنحاء العالم، الذين اجتمعوا في لشبونة للاحتفال باليوم العالمي للشباب. في زمن الوباء، وسط العديد من الشكوك، غذّينا الرجاء في أن هذا الاحتفال الكبير باللقاء مع المسيح ومع الشباب الآخرين يمكنه أن يتحقق. وتحقق هذا الرجاء، وبالنسبة للكثيرين منا الحاضرين هناك - بما فيهم أنا - فقد تخطى جميع الانتظارات! كم كان جميلاً لقاءنا في لشبونة! خبرة تجلٍّ حقيقية، انفجار نور وفرح!.
في نهاية القداس الختامي في "حقل النعمة"، أشرت إلى المحطة المقبلة لحجنا عبر القارات: سيول، كوريا، في عام ٢٠٢٧. ولكن قبل ذلك، حددت لكم موعدًا في روما، في عام ٢٠٢٥، ليوبيل الشباب. حيث ستكونون أنتم أيضًا "حجاج رجاء". أنتم أيها الشباب، في الواقع، الرجاء الفرح لكنيسة ولبشرية في مسيرة على الدوام. أود أن أمسككم بيدكم وأسير معكم في درب الرجاء. أود أن أحدثكم عن أفراحنا وآمالنا، وإنما أيضًا عن حزن وألم قلوبنا والبشرية التي تتألّم. في هاتين السنتين من التحضير لليوبيل، سنتأمل أولاً في العبارة البولسية "فرحون في الرجاء"، ومن ثم سنتعمق في عبارة النبي أشعيا: "الذين يرجون بالرب يسيرون ولا يتعبون".
كُونوا في الرَّجاءِ فَرِحين" هي وصية القديس بولس لجماعة روما، التي كانت تعيش في فترة من الاضطهاد الشديد. وفي الواقع، ينبع "الفرح في الرجاء"، الذي بشر به بولس الرسول، من سر المسيح الفصحي، ومن قوة قيامته. هو ليس ثمرة الجهد البشري أو البراعة أو الفن. إنه الفرح الذي يأتي من اللقاء مع المسيح. إن الفرح المسيحي يأتي من الله نفسه، ومن معرفة أنّه يحبنا. في تأمله حول الخبرة التي عاشها في اليوم العالمي للشباب في مدريد عام ٢٠١١، تساءل بندكتس السادس عشر قائلاً: "من أين يأتي الفرح؟ كيف تفسرونه؟ هناك بالتأكيد العديد من العوامل التي تعمل معًا.
ولكن العامل الحاسم هو اليقين الآتي من الإيمان: أنا محبوب. لدي مهمة في التاريخ. أنا مقبول، أنا محبوب" وحدّد: "في النهاية نحن بحاجة إلى استقبال غير مشروط. إذا قبلني الله فقط وتأكدت من ذلك، فسأعرف بشكل قاطع أنه من الجيد أن أكون موجودًا. من الجيد أن تكون موجودًا كشخص بشري، حتى في الأوقات الصعبة. والإيمان يجعلنا فرحين انطلاقًا من الداخل".
الشباب هو زمن مليء بالآمال والأحلام، التي تغذيها الحقائق الجميلة التي تغني حياتنا: روعة الخليقة، والعلاقات مع أحبائنا وأصدقائنا، والخبرات الفنية والثقافية، والمعارف العلمية والتقنية، والمبادرات التي تعزز السلام والعدل والمساواة والأخوّة، وما إلى ذلك. ومع ذلك، نحن نعيش في زمن يبدو فيه الرجاء بالنسبة للكثيرين، وحتى بالنسبة للشباب، الغياب الكبير. ولسوء الحظ، فإن العديد من أقرانكم الذين يعيشون خبرات الحرب والعنف والتنمر ومختلف أشكال عدم الراحة، يصابون باليأس والخوف والاكتئاب. يشعرون وكأنهم محبوسون في سجن مظلم، غير قادرين على رؤية أشعة الشمس. ويتجلى ذلك بشكل مأساوي في ارتفاع معدل الانتحار بين الشباب في العديد من البلدان وفي سياق مماثل، كيف يمكننا أن نختبر الفرح والرجاء الذي يتحدث عنهما القديس بولس؟ لا بل هناك خطر أن يستولي علينا اليأس، والتفكير بأنّه لا جدوى من فعل الخير، لأنه لا أحد سيقدّره أو سيعترف به، كما نقرأ في سفر أيوب: "أين إذن رجائي؟ وسعادَتي مَنْ يا تُرى يَراها؟".
أمام مآسي البشريّة، وخاصة أمام ألم الأبرياء، نحن أيضًا، كما نصلي في بعض المزامير، نسأل الرب: "لماذا؟". حسناً، يمكننا أن نكون جزءاً من جواب الله. فنحن، الذين خلقنا على صورته ومثاله، يمكننا أن نكون تعبيراً عن محبته التي تولِّد الفرح والرجاء حتى حيث يبدو ذلك مستحيلاً. يتبادر إلى ذهني بطل فيلم "الحياة جميلة"، أب شاب ينجح بحنكته وخياله في تحويل الواقع القاسي إلى نوع من المغامرة واللعب، ويمنح ابنه هكذا "عيون رجاء"، فيحميه من أهوال معسكر الاعتقال، ويحفظ براءته ويمنع شر الإنسان من أن يسلبه مستقبله. ولكن هذه ليست مجرد قصص مختلقة! وهذا ما نراه في حياة العديد من القديسين الذين كانوا شهود رجاء حتى في وسط أقسى الشرور البشريّة. لنفكر في القديس ماكسيميليان ماريا كولبي، أو القديسة جوزفين باخيتا أو الزوجين الطوباويين جوزيف وفكتوريا أولما مع أبنائهما السبعة.
إن إمكانية إشعال الرجاء في قلوب البشر، انطلاقًا من الشهادة المسيحية، قد أبرزها ببراعة القديس بولس السادس، عندما ذكّرنا: "أنّ المسيحي أو مجموعة المسيحيين، في قلب جماعة البشر التي يعيشون فيها، يشعّون بطريقة بسيطة وعفوية الإيمان ببعض القيم التي تذهب أبعد من القيم الحالية، والرجاء في شيء لا يمكن رؤيته ولا يجرؤ أحد على تخيله".
يتحدث الشاعر الفرنسي شارل بيغي، في بداية قصيدته حول الرجاء، عن الفضائل اللاهوتية الثلاث – الإيمان والرجاء والمحبة – كثلاث أخوات يسرن معًا: "تتقدّم الرجاء الصغيرة بين شقيقتيها الكبيرتين ولا أحد يتنبّه لها. [...]إنها، هي الطفلة الصغيرة، التي تجر كل شيء. لأن الإيمان لا يرى إلا ما هو كائن. وهي ترى ما سيكون. والمحبة لا تحب إلا ما هو موجود. أما هي، فتحب ما سيكون. وبالتالي فهي التي تجعل الاثنتين الآخرين تمشيان. وتجرّهما. وتجعل الجميع يسيرون". أنا مقتنع أيضًا بهذا الطابع المتواضع "الثانوي" وإنما الأساسي للرجاء. حاولوا أن تفكروا: كيف يمكننا أن نعيش بدون رجاء؟ كيف ستكون أيامنا؟ الرجاء هو ملح الحياة اليومية.
في التقليد المسيحي لثلاثية عيد الفصح، السبت المقدس هو يوم الرجاء. بين الجمعة العظيمة وأحد الفصح، يكون الأمر بمثابة أرض تتوسّط بين يأس التلاميذ وفرحهم الفصحي. إنه المكان الذي يولد فيه الرجاء. وتحتفل الكنيسة في ذلك اليوم بصمت بذكرى نزول المسيح إلى الجحيم. ويمكننا أن نراها ممثلاً في شكل تصويري في العديد من الأيقونات. إذ تُظهر لنا المسيح المتألِّق بالنور، الذي ينزل إلى أعمق الظلمات ويعبرها. هكذا هو الأمر: إنّ الله لا يكتفي بأن ينظر بشفقة إلى مناطق الموت الخاصة بنا وكذلك لا يدعونا من بعيد، بل يدخل في خبرات الجحيم التي نعيشها كنور يُشرِقُ في الظّلْمَةِ، والظّلْمَةُ لا تَقوى علَيهِ. وتعبر عن ذلك جيداً قصيدة باللغة الكوسية الجنوب إفريقية: "حتى ولو انتهى الرجاء، بهذه القصيدة أنا أوقظ الرجاء. ورجائي يستيقظ لأني أرجو في الرب. أرجو أن نتحد! ابقوا أقوياء في الرجاء، لأن النجاح قريب.
فكرنا جيدًا، لقد كان هذا رجاء مريم العذراء، التي بقيت قوية عند أقدام صليب يسوع، واثقة من أن "النتيجة الجيدة" كانت قريبة. مريم هي امرأة الرجاء، أم الرجاء. وعلى الجلجلة، "وإذ رجت حيث لا رجاء"، لم تسمح لشيء بأن يطفئ في قلبها يقين القيامة التي أعلنها ابنها. وهي التي تملأ صمت سبت النور بانتظار محب مفعم بالرجاء، وتبعث في التلاميذ اليقين بأن يسوع سينتصر على الموت وأن الكلمة الأخيرة لن تكون للشر.
إنّ الرجاء المسيحي ليس تفاؤلاً سهلاً وليس علاجًا وهميًا للسذج: وإنما هو اليقين، المتجذِّر في المحبة والإيمان، بأن الله لا يتركنا وحدنا أبدًا ويفي بوعده: "إذا سِرتُ في وادي ظِلِّ الموتِ لا أخافُ شَرًّا، لأنَّكَ أنتَ مَعي". إنّ الرجاء المسيحي ليس إنكار الألم والموت، وإنما هو الاحتفال بمحبة المسيح القائم من بين الأموات الذي هو معنا على الدوام، حتى عندما يبدو لنا بعيدًا. إنّ المسيح نفسه هو لنا نور الرجاء العظيم والمرشد في ليلنا، لأنه نجم الصبح المنير.
عندما تُضاء شرارة الرجاء فينا، هناك أحيانًا خطر أن تخنقها هموم ومخاوف ومهام الحياة اليومية. لكن الشرارة تحتاج إلى الهواء لكي تستمر في التألق وتشتعل في نار رجاء كبيرة. إنّ نسيم الروح القدس العذب هو الذي يغذي الرجاء. ونحن يمكننا أن نتعاون لكي نغذّيه بطرق مختلفة. إن الرجاء يتغذى بالصلاة. بالصلاة نحن نحافظ على الرجاء ونجدّده. بالصلاة نحافظ على شرارة الرجاء حيّة؛ لأن الصلاة هي القوة الأولى للرجاء. أنت تصلي والرجاء ينمو، ويمضي قدمًا. الصلاة هي مثل الصعود إلى مكان عالٍ: عندما نكون على الأرض، غالبًا ما لا نتمكن من رؤية الشمسلأن السماء مغطاة بالغيوم. ولكن إذا ارتفعنا فوق السحب، يحيط بنا نور الشمس وحرارتها؛ وفي هذه الخبرة نجد مجدّدًا اليقين بأن الشمس حاضرة على الدوام، حتى عندما يبدو كل شيء رماديًا. أيها الشباب الأعزاء، عندما يحيط بكم ضباب كثيف من الخوف والشك والقمع ولا يمكنكم أن تروا الشمس، اتبعوا درب الصلاة. لأنه "إن لم يعد أحد يصغي لي، إلا أن الله لا زال يصغي لي". لنأخذ كل يوم وقتًا لكي نرتاح في الله في وجه الهموم التي تهاجمنا: "إلى الله وحده اطمئني يا نفسي فإن منه رجائي".
إنَّ الرجاء يتغذّى من اختياراتنا اليومية. إن الدعوة إلى الفرح في الرجاء، التي يوجهها القديس بولس إلى مسيحيي روما، تتطلب خيارات ملموسة للغاية في الحياة اليومية. لذلك أحثكم على اختيار أسلوب حياة يقوم على الرجاء. سأقدم لكم مثالاً: على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو من الأسهل مشاركة الأخبار السيئة بدلاً من مشاركة الأخبار المفعمة بالرجاء. لذلك، أقدم لكم اقتراحًا ملموسًا: حاولوا أن تشاركوا كلمة رجاء كل يوم. وأصبحوا زارعي رجاء في حياة أصدقائكم وجميع الذين يحيطون بكم. إن الرجاء المتواضع في الواقع، هو فضيلة يتم العمل عليها – إذا جاز التعبير – كل يوم.
وبالتالي من الضروري أن نتذكر كل يوم أن لدينا الوديعة، التي هي الروح القدس الذي يعمل فينا من خلال الأشياء الصغيرة في بعض الأحيان، تخرجون في المساء مع أصدقائكم، وإذا كان هناك ظلام، تأخذون الهاتف الذكي وتشعلون المصباح اليدوي لكي تنيروا الطريق. في الحفلات الموسيقية الكبيرة، يقوم الآلاف منكم بتحريك هذه المصابيح الحديثة على إيقاع الموسيقى، وتخلقون مشهدًا مُعبِّرًا. في الليل يجعلنا النور نرى الأشياء بطريقة جديدة، وحتى في الظلام يظهر بعدٌ من الجمال. هكذا هو الأمر بالنسبة لنور الرجاء الذي هو المسيح. منه، ومن قيامته، تستنير حياتنا. ومعه نرى كل شيء في ضوء جديد.