ميلاد حنا زكي
«بكل فخر صُنع فى مصر».. عبارة جعلت أصحاب المنتجات المصرية يستغلون سلاح المقاطعة وينطلقون ويتشجعون فى تطوير منتجاتهم ويهتمون بتسويق أفضل.. عبارة تعلن أن الفرصة أصبحت متاحة، والملعب أصبح للمنتج المحلى، وعليه أن يستغل تلك الفرصة لكى يحقق الأهداف والفوز الذى لم ولن يتكرر، لكى يكسب ثقة المصريين فى المنتجات المحلية، وقد تكون نقطة الانطلاق لانتعاشة الاقتصاد المصرى والعملة المحلية.
المقاطعة الاقتصادية ليست ظاهرة جديدة، ولكنها سلاح ردع فعّال وقوىّ فى مواجهة الأعداء، قد يهزمهم ويؤثر عليهم اقتصاديًا دون قتال، وكل ما يحتاجه هذا السلاح هو إرادة وعزيمة قوية من تلك الشعوب المقاطعة للامتناع عن استخدام المنتجات الأجنبية والاعتماد على البدائل المحلية.. وفى مصر، تضامن عدد كبير مع دعوات المقاطعة للمنتجات الأجنبية، وبخاصة الدول الداعمة للكيان الصهيونى فما يفعله فى فلسطين حاليًا.
بدأت حملات كبيرة تبناها عدد كبير من الشباب للاعتماد على منتجاتنا المحلية، التى هى متاحة بالفعل فى كافة المجالات.. وتميزت المقاطعة حاليًا بأنها عالجت مرضًا قديمًا تسلل إلى مصر خلال السنوات الماضية، خاصة مع سياسة الانفتاح الاقتصادى، أطلق عليه البعض مرض «عقدة الخواجة»، واستفحل المرض فى جيل كبير من الشباب بِحُبّهم لكل ما هو غربى ورفضهم كل ما هو عربى، وتصديق واعتماد كل ما هو غربى، واستبدال الغربى بالعربى، حيث تم تقليل كل ما هو عربى وعدم الاعتقاد فيه أو تصديقه أو اعتماده فى حال وجود بديل غربى له، خاصة أن المنتج الغربى أصبح أرخص فى السعر وقد يكون أجود أيضًا.
ورغم أن الحكومات المتتالية فى مصر دعت أكثر من مرة إلى ترشيد استخدام المنتجات المستوردة من الخارج والاعتماد على المنتجات المحلية، إلا أن تلك الدعوات دائمًا ما كانت تؤول إلى الفشل، ربما ليقين المواطن المصرى من ضعف جودة المنتج المحلى، وربما لتقارب سعر المنتج المحلى من سعر المستورد.. إلا أن أحداث غزة والإرادة المصرية التى يقودها عدد كبير من الشباب هذه المرة المرتبطة بعاطفة جياشة وتضامن من الشعب المصرى مع أهالى فلسطين.
أدت بداية إلى إطلاق دعوات «صُنع بدماء فلسطينية» لمقاطعة كل المنتجات التى تُستَورد من دول تدعم إسرائيل، ثم امتدت حاليًا إلى معظم المنتجات المستوردة من الخارج، بل أصبحت حملات التوعية تنتشر فى أرجاء المحروسة.. الكل يسأل على صفحات السوشيال ميديا، وبين بعضهم البعض: «منتجنا أم منتجاتهم؟»، «معانا ولا معاهم؟».
أسئلة تصيبك بفرحة وعى وإفاقة من سبات عميق لسنوات عديدة خدعت المصريين وأوهمتهم بالمنتجات التى ليس لها مثيل إلا فى بلادهم، مثل خداعهم من قبل بالدولة التى لا تُقهر وخط بارليف المنيع الذى لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية.. صحوة استغلها البعض فى منتجاتهم، مثل إحدى شركات المشروبات الغازية غير المعروفة التى كان لا يُقبل عليها أحد.
إلا أنها حاليًا نالت إعجاب عدد كبير، ما جعل تلك الشركة تصمم أشكالًا جديدة لمنتجها، مستعينة برسومات من التاريخ المصرى القديم وكلمات هيروغليفية، لتأكيد الهوية المصرية، حتى تصبح منتجاتها لوحة تسويقية ودعائية للحضارة المصرية القديمة.
المقاطعة فرصة للمنتج المصرى.. يجب أن يستغل هذا الوقت لصالحه لتحسين صورته المأخوذة عنه بسلبيات عديدة والانطلاق نحو الاكتفاء الذاتى والتصدير أيضًا، ويجب أن تتدخل الحكومة سريعًا بالتعاون مع المستثمرين المصريين لإطلاق حملة موسعة لدعم المنتج المحلى فى كل الصناعات، واستغلال حالة اليقظة لدى الشباب والتى تخطت «عقدة الخواجة» قبل أن يتراجع عن منتجاتنا.
وأتمنى أيضًا أن نستغل تلك الإرادة القوية حاليًا فى مقاطعة التجار الذين يتحكمون فى الأسعار، خاصة بعد جودة المنتج المصرى، وعدم «فرعنتهم» كعادتهم.. فعندما يتم الإقبال على منتج ما وعدم وجود بدائل، يقع المستهلكون لقمة سائغة بين أنيابهم من حيث الأسعار والجودة.. إلخ.. «يعملوا فينا ما بدالهم».