د. صديق عطية 
 عضو مجلس أمناء كتلة الحوار 
نجحت تجربة الوفد المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، ولم يكن ذلك لكونها التجربة الحزبية الأولى في مصر، فقد سبقها الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل ، وحزب الإصلاح ، وحزب الأمة، والحزب الوطني الحر، وحزب المصريين المستقلين ؛ إلا أن الوفد قد أفلت مما أفشل الأحزاب قبله؛ من غياب المؤسسية أو التبعية للخديوي أو الإنجليز، أو السقوط فيما سقط فيه بعضها من العمل لمآرب شخصية ضيقة، فلم يعمل الوفد إلا لمصلحة الجماهير، معتمدًا في ذلك على نخبة صادقة الوطنية من السياسيين ( أمثال: عبد العزيز فهمي وعلى شعراوي والنحاس ) ومفكرين وإصلاحيين ( أمثال: أحمد لطفي السيد وأمين الخولي ومحمد مندور وغيرهم ).. عمل الوفد بتلك النخبة بإيمان راسخ على تحقيق أهدافه متمسكا بمبادئه المعلنة؛ سياسية واجتماعية، مثل العمل على رفاهية الشعب وترقيته، ودعم النظام الدستوري الديمقراطي، والتمسك بعروبة فلسطين... إلخ. 
 
   فالمعارضة الحقيقة هي التي تعمل من أجل مصلحة الوطن ، أمَّا أن تصير المعارضة- كما هو الحال الآن - معارضة من أجل المعارضة ، أو مجرد كيانات تعمل من أجل مآرب شخصية فادعاء للوطنية وإتجار بالوطن. 
 
   إن ما نراه من مظاهر فشل المعارضة في مصر ليس غير نتائج حتمية لفساد أخلاق أصحابها، خذ منها على سبيل التمثيل لا الحصر: ضعف التنظيم والتنسيق فيما بينها، والعمل في جزر منعزلة، وكذلك عجزها عن إقامة قواعد شعبيه واسعة رغم كثرة أعداد تلك الكيانات بما يزيد عن عدد أعضاء الحزب الواحد منها، لأنهم يهدرون طاقاتهم في التلاسن وكيْل الاتهامات لبعضهم البعض، بل وتدبير المكائد لإزاحة بعضهم من أجل مآرب شخصية ضيقة، صارت تلك الكيانات التي تدعي المعارضة والوطنية مترعة بالفساد والأنانية الساعية للسلطة لصالح أشخاص معدودين من سياسيين انتهازيين أو ممولين طامعين، وليذهب الشعب والوطن إلي الجحيم. 
 
 إن أغلب تلك الأحزاب - على كثرتها وإن ادعت أيديولوجيات وتوجهات مختلفة - كلها سواء في غياب أو غموض اللوائح المنظمة والاستئثار بسلطات تلك الكيانات، والصراع من أجل مصالحها الضيقة وسيلان لعابها لأى ( سبوبة ) عارضة... أما الصالح العام أو مصلحة الوطن فليس نصيبه سوى إكليشيهات وعبارات برَّاقة ملَّاقة على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز. 
 
فكيف - إذن - لمثل هذه الكيانات الفاشلة في إدارتها لكياناتها  أن تطمع في إدارة دولة بحجم مصر؟!! 
ليس من حق مثل تلك المعارضة أن تطرح نفسها بديلاً لنظام حاكم لمجرد أنها تكشف عن بعض الخلل في مؤسسات الدولة ، أو مجرد اتهامه بالافتقار إلي رؤى مستقبلية؛ ذلك الاتهام المشهور منذ عقود لحفنة فاشلة مفلسة، دون العمل بشكل فعلي كبديل؛ سواء على مستوى طرح الأفكار والحلول والبدائل التي من شأنها تجاوز الخلل، أو بشكل إجرائي عملي من خلال خلق كيانات مؤسسية أهلية داعمة لمؤسسات الدولة الرسمية ، وهو أمر بعيد التحقيق في ظل الضعف الشديد لقواعد مؤيدي تلك الأحزاب في الشارع، وعدم أهليتها لإقامة حوار إيجابي؛ سواء مع النظام، أو بين النظام وعامة جماهير الشعب؛ لأنها تكتفي بقضاء مصالحها الضيقة على حساب تشكيل علاقات وأسباب اتصال حقيقة مع فئات الجماهير المتضررة جراء عجز المؤسسات الرسمية عن تلبية احتياجاتها؛ من تعليم وصحة وغيرهما؛ لأسباب اقتصادية ضاغطة. 
 
في هذا المناخ سالف الذكر التمست كتلة الحوار سبيلا لإقامة جسر من الثقة بين الإدارة والمعارضة من جانب، وبين إدارة الدولة والشعب من جانب آخر ، متخذة من الحوار منهجاً وسبيلا لتقليل فجوة الثقة تلك بينهما في ظل ضعف الموصلات السياسية بين الشعب وإدارته الحاكمة. 
 
   فكتلة الحوار تؤمن بأن المعارضة هي تلك التي تعمل من أجل مصلحة الوطن، هي التي  تنهض بالإصلاح، هي  التي تقدم الحلول والبدائل فيما تخفق فيه مؤسسات الدولة الرسمية، هي من تمد الجسور إلى حيث انسحبت الحكومة ، أو عجزت، أو قصّرت. 
 
ما نؤمن به هو أن المعارضة الحقيقية شق أصيل للإدارة الحاكمة ، فكلاهما يعمل من أجل الوطن ومصلحة الشعب.