محمود العلايلي
انتشرت كثير من الروابط والصفحات على منصات التواصل الاجتماعى، ولأن تلك المنصات ليست لها قوانين صارمة حاكمة، فإن هامش الحرية الذي يجده المستخدمون طيع وواسع جدًّا مادام لم يجنح للحض على العنف أو الكراهية أو مجافاة الآداب العامة، أي باختصار ليصنع الجميع ما يحلو لهم ماداموا التزموا بمعايير استخدام كل منصة، مما سمح للمستخدمين بإنشاء صفحات للتوجهات السياسية، أو لتشجيع فنان أو رياضى أو كاتب على سبيل المثال، كما تم إنشاء الصفحات الدينية والفنية وصفحات أخرى لتشجيع الأهلى والاتحاد السكندرى وصفحات ضد الصفحات الماضية.
بينما تم إنشاء صفحات للترويج للبضائع والمحال التجارية ولبرامج التليفزيون والفنادق والمقاصد السياحية، والقائمة تطول في ذلك، وقد بالغ البعض في مقاصد إنشاء هذه الصفحات، حيث تنوعت إلى صفحات محبى الصيف وأخرى ضد الحر والعرق، وصفحات كارهى الباذنجان الأبيض وإعلاء شأن ورق العنب، إلى صفحة محبى الأحجار الكريمة وأعداء برج الجوزاء، وإلى صفحة النساء الراغبات في الطلاق وحكاياتهن التي لا تنتهى، وصفحات عشاق البطاطا والبروكلى وأخرى لرافضى الأكل الصحى مشجعى المسبك والسمن البلدى، إلى آخره مما يتخيله العقل وما لا يتخيله من اهتمامات الناس سواء كانت في منتهى الجدية على جانب أو كانت في منتهى التفاهة على جانب آخر.
أما العجيب في ذلك، فهناك روابط نجدها في المجتمع دون صفحات ودون إعلان، وهى الممارسات المجتمعية التي يوجهها ويتحكم في انتشارها العقل الجمعى لمجموع المواطنين بشكل عام، وهى روابط ضمنية قد تتشكل كحراك مجتمعى نتيجة حدث جارٍ مثل بطولة إفريقيا لكرة القدم أو الحرب الدائرة في غزة، وقد تتشكل تلك الروابط أيضًا نتيجة حادثة إجرامية شهيرة، أو خبر اختراق الأنظمة السيبرانية لإحدى الشركات أو البنوك، أما النمط الآخر فهو وجود تركيبات ذهنية جماعية نتيجة لتراكمات تاريخية وتأثيرات اجتماعية.
فنجد مجموعات من البشر من رواد «امشى سنة ولا تخَطِّى قَنَا»، ومثلهم هؤلاء أتباع «اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش»، و«إن كنت ف بلد تعبدالطور، حِشّ وارميله»، وبعضهم لا يكتفى بعدم قدرته على مسايرة التقدم، ولكنه يعمل على تعطيله أيضًا بحجة عدم ملاءمة الجديد مع تقاليد المجتمع، أو صعوبة التأقلم، وذلك بالتحجج بالحنين للزمن الجميل والماضى الذي يرونه أفضل من الحاضر من كافة الوجوه، بينما الحقيقة هي فشل في التعلم وصعوبة في الفهم.
والحقيقة أن مسألة الزمن الجميل قد تم ابتذالها بشكل يصعب علاجه لأنه في الواقع بعض هذا الزمن الجميل حقيقى، بينما أغلبه زمن تخيلى بالنسبة لكثيرين، حيث يعود هؤلاء إلى ما كانوا يتخيلون أن يكون عليه الواقع وليس كما كان واقعًا بالفعل، في مغالطة شخصية بين الشخص ونفسه، وعلى الجانب الآخر فإن الزمن الحالى قد يعد الزمن الجميل للكثيرين الذين يعيشون فيه، والذين قد يصابون بهذيان التغنى به في المستقبل الذي سيعيش فيه بشر آخرون يعدون الزمن القادم زمنهم الجميل.
إن الزمن لا يمكن أن يفاضل مع زمن آخر لأن المعامل الأهم في المعادلة- أي الزمن- من المستحيل تثبيته، ومن ثَمَّ من المستحيل حسابه كطرف يمكن القياس عليه، وبالتالى فالمسألة تخضع للذوق الشخصى النابع من أحاسيس فردية قد تتشارك فيها مجموعة من الناس بينهم تواريخ مشتركة تاركة لهم مشاعر جميلة وذكريات دافئة، وإن كان من الصعوبة مقارنتها مع الزمن الحالى بحكم حتمية جريانه وتغيير الظروف المحيطة بالتأكيد.
والأهم هو إحباط الأجيال الحالية على اعتبار أن زمانهم هو زمن ردىء، مع الترويج لزمن لن يعود بأنه الأجمل والألطف والأدعى أن نتمنى عودته، والأهم أن الإعلاء من شأن الذكريات والتخيلات يجب ألّا يرتبط بالضرورة بالحَطّ من الزمن الحالى، ونسف ما يحمل من جمال وإنجازات.
نقلا عن المصرى اليوم