محرر الأقباط متحدون
استضاف مقر بلدية روما مؤتمرا تحت عنوان "لا سلام بدون غفران" وذلك لمناسبة الذكرى السنوية الستين لصدور الرسالة العامة الشهيرة للبابا يوحنا الثالث والعشرين "السلام في الأرض". افتتح الأعمال رئيس أساقفة بولونيا ورئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاردينال ماتيو زوبي الذي أكد أننا نسينا هذا النص، وما نزال نلجأ إلى الحرب كوسيلة لحل الصراعات"، وطالب للمناسبة بوقف لإطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدا التزام الكنيسة التام لصالح الأطفال في أوكرانيا.
إن الناس لم يستخدموا الرسالة العامة "السلام في الأرض" كما يجب، ويقومون بإخراجها من الدُرج بين الحين والآخر. ستون سنة مضت على صدورها لكننا لم نستخدمها كما ينبغي. هذا ما قاله الكاردينال زوبي في مداخلته مفتتحاً المؤتمر الذي نظمته في مقر بلدية روما هيئة كاريتاس إيطاليا بالتعاون مع المكتب الوطني لمجلس أساقفة إيطاليا المعني بالرعوية الاجتماعية والعمل، بالتعاون مع عدد من الحركات والجمعيات.
الرسالة العامة المذكورة أبصرت النور بعد أهوال الحربين العالميتين، اللتين عاصرهما أنجيلو رونكالي (الذي أصبح لاحقا البابا يوحنا الثالث والعشرين). فخلال الحرب العالمية الأولى كان مرشداً عسكرياً وخلال الحرب الكبرى كان سفيراً بابويا في كل من تركيا وفرنسا. ومما لا شك فيه أن الوثيقة البابوية تعكس المعاناة المأساوية التي سببتها الحربان العالميتان، وتحاول أن تقدم شيئاً من الأمل للبشرية من خلال مساعدتها على تفادي تكرار ما حصل.
عن هذا الموضوع قال الكاردينال زوبي إنه علينا أن نتساءل لماذا لم نستخلص العِبَر على مر السنوات الستين الماضية؟ بل على العكس لقد نسينا الكثير من الوعي الذي حاولت الرسالة العامة أن تبثه في النفوس. وأكد نيافته أن تعاليم البابوات على مدى العقود الماضية حاولت أن تتبنى هذا الحدس الذي جاء في الوثيقة، التي أكدت على نبذ الحرب كوسيلة لحل الخلافات، ومع ذلك – تابع يقول – ما تزال البشرية تلجأ إلى الحروب لحل المشاكل. وأضاف أن ثمة ثقافة مقلقة جدا وهي ثقافة إعادة التسلح، في وقت ينبغي أن يتجه فيه العالم نحو نزع السلاح، الممارسة التي كانت في جوهر الرسالة العامة "السلام في الأرض" وفي العديد من الوثائق التي تلتها.
تابع الكاردينال زوبي مداخلته مؤكدا أن الرسالة العامة للبابا رونكالي ما تزال آنية جداً في عالم اليوم خصوصا إذا ما نظرنا إلى جائحة الحرب التي نعيشها. فيما يتعلق بالأرض المقدسة، عبر نيافته عن أمله بأن تلقى كلمات البابا فرنسيس آذاناً صاغية ويتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وقال: ينبغي أن يتوقف هذا العنف الذي يزرع الموت، فيما تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأطفال والقاصرين الذين ماتوا في الحرب يتراوح بين ألفين وأربعة آلاف وخمسمائة. وهذا يتطلب وقف العنف فورا.
أما بالنسبة للوضع في أوكرانيا أكد رئيس مجلس أساقفة إيطاليا أن الكنيسة تُبقي الأضواء مسلطة على كل أزمة راهنة، لافتا إلى مواصلة عمل السفراء البابويين لصالح الأطفال ومن أجل التوصل إلى الإفراج عن الرهائن. وأضاف زوبي: إننا نبحث عن أي فرصة ممكنة من أجل إحلال السلام في أوكرانيا أيضا. مع العلم أن نيافته كان قد كُلف من البابا فرنسيس بالقيام بمهمة سلام قادته في الأشهر الماضية إلى كييف وموسكو وواشنطن وبكين.
هذا ثم أكد الكاردينال زوبي أن السلام هو الشرط الأساسي للحياة ولظروف إنسانية طبيعية، كما أن السلام ليس فقط هدنة من الحرب. من هذا المنطلق لا بد من العمل في سبيل نزع كامل للسلاح، وهذا ليس كافياً إذ ينبغي أن يكون الأشخاص أيضا صانعي سلام، وهي مسؤولية لا تقتصر على الأخصائيين وحسب. واعتبر أنه لا يوجد شيء مستحيل مضيفاً أن أحدا لم يكن يتصور أن يحل السلام في بلفاست، أو أن يسقط جدار برلين أو أن ينتهي نظام الفصل العرقي (الأبرتهايد) في أفريقيا الجنوبية.
في ختام مداخلته قال رئيس مجلس أساقفة إيطاليا إن السلام لا يمكن أن يتحقق بدون غفران. وقدم بعض الأمثلة على ذلك مشيراً إلى وجود أشخاص كثيرين رفضوا الانتقام وقرروا أن يسامحوا من أساؤوا إليهم، وهذا ما حصل على سبيل المثال في بيت لحم وفي كولومبيا وجورجيا وفي روما أيضا عندما قرر شاب قُتل والده عام ١٩٨٠ على يد الألوية الحمراء أن يغفر لمن قتلوه، وكان القتيل أستاذا جامعياً قرأ على ابنه الرسالة العامة "السلام في الأرض".
يؤكد منظمو المؤتمر أن الأعمال شهدت مشاركة ممثلين عن هيئة باكس كريستي وحركة العمل الكاثوليكي وحركة فوكولاري بالإضافة إلى الأخوة الفرنسيسكان في أسيزي. ويشكل المؤتمر الخطوة الأولى من مسيرة تهدف إلى إحياء ذكرى الرسالة العامة للبابا يوحنا الثالث والعشرين في الذكرى السنوية الستين لصدورها. وستبلغ الاحتفالات ذروتها مع المسيرة الوطنية الإيطالية السادسة والخمسين من أجل السلام التي ستُنظم في مدينة غوريتسيا في الحادي والثلاثين من كانون الأول ديسمبر المقبل حول موضوع "الذكاء الاصطناعي والسلام" والذي سيكون أيضا عنوان رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي للسلام ٢٠٢٤، الذي سيُحتفل به في الأول من كانون الثاني يناير القادم.