هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض 
الرقابة الدولية على الانتخابات ظاهرة حديثة الظهور نسبيا، يرجع الفضل الرئيس في ذيوعها وانتشارها إلى جهود منظمة الأمم المتحدة، كما ارتبط انتشارها في بقاع عدة من العالم، بالانتشار الواسع لموجة الديمقراطية وإعمال حقوق الإنسان لا سيما السياسية و المدنية منها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى يومنا هذا قامت منظمة الأمم المتحدة بالإشراف على العديد من العمليات الانتخابية في دول العالم ، ثم برزت أنواع أخرى من الرقابة الدولية كتلك التي تقوم بها المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوربي، والاتحاد الإفريقي وغيرها، حيث يظهر الاهتمام الدولي بهذا الجانب من خلال الرقابة الفعالة على جميع مراحل العملية الانتخابية ، بدءاً من مرحلة تسجيل الناخبين ومروراً بيوم الانتخاب وانتهاء بمرحلة فرز وعدّ الأصوات. فمراحل العملية الانتخابية يجب أن تكون جميعها مستندة إلى المعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة.
 
بما إن الشعب هو المصدر الرئيسي للسلطات، وله كل الحق وحده في اختيار رئيسه، حيث إن الحاكم يستمد سلطته أساسا من إرادة شعب أيّ دولة ، فيجب أن ينالها عبر انتخابات دورية حقة ، تضمن حق الفرد وفرصته في ان ينتخب بحرية ، وفي ان ينتخب بعدل بموجب اقتراع عام ، قوامه المساواة ، ان بالاقتراع السري أو بأي شكل معادل من أشكال التصويت الحر ، الذي يتم فيه فرز النتائج واعلانها والتقيد بها بمنتهى الدقة . وآنذاك ، يتضح ان تحقيق الانتخابات الديمقراطية الحقة يبقى منوطا بعدد هائل من الحقوق ، والحريات ، والأجراءات ، والقوانين والمؤسسات. 
وتجري الانتخابات الرئاسية المصرية  المقبلة وفق جدول زمني محدد ، تحت أشراف قضائي كامل من الهيئة الوطنية للانتخابات التى تعمل بحرية واستقلالية تامة وفق القانون والمعايير الدولية ذات الصلة، ومتابعة ممثلي المجتمع المدني ومندوبي وسائل الإعلام والصحافة المحلية والإقليمية والدولية،.ويشهد العالم بأسره بنزاهة الانتخابات الرئاسية وحرية المصريين في اختيار رئيس لهم بنزاهة وحرية هو الذي حافظ على استقرار الأوضاع داخل البلاد في المرحلة الراهنة، في وسط منطقة الشرق الإوسط تموج بالصراعات. 
ويتساءل البعض ما هو تعريف الرقابة على العملية الانتخابية وتعريف الرقابة الدولية على الانتخابات ؟
 
تعرف الرقابة على الانتخابات بأنها الإجراءات التي تتسم بالموضوعية و الحياد من قبل أشخاص تم تكليفهم بشكل رسمي بممارسة أعمال المتابعة والرقابة وتقصى الحقائق، حول صحة إجراء وسير العملية الانتخابية والتحقق من الدعاوى التي تشير إلى حدوث أية انتهاكات تذكر في هذا المجال من عدمه، على أن يتم ذلك وفقا للوائح و القوانين المعمول بها في هذا الإطار.، وتهدف الرقابة على العملية الانتخابية إلى التأكد من سير العملية الانتخابية بشكل نزيه بعيد عن التزوير والتلاعب بأي شكل كان.
حيث تندرج الانتخابات الديمقراطية الحقة في اطار التعبير عن السيادة ، وهو حق مكتسب لشعب أي دولة ، كما أنها التعبير الحر الذي سيقيم دعائم السلطة ويضفي صفة الشرعية على الحكم . وبالتالي حيثما يكتسب الحكم شرعيته من انتخابات ديمقراطية حقة ، تخف حدة التصارع غير الديمقراطي على السلطة . 
اما الرقابة الدولية على الانتخابات فهي اطلاع المجتمع الدولي على سير العملية الديمقراطية في الدول التي تطلب ذلك للوقوف على مدى اتفاقها مع المعايير الدولية للديمقراطية، ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب .
 
حيث تنحصر المعايير الدولية للعملية الديمقراطية في النقاط الثلاث الآتية:
1. الاقتراع العام: وهو كفالة حق التصويت و الترشيح للجميع.
2. المساواة في الاقتراع: وذلك عن طريق المساواة في توزيع المقاعد، بحيث يكون الحجم السكاني للدوائر متساويا ما أمكن ذلك.
3. الانتخاب الحر: كفالة حرية الناخب في رأيه والاختيار حسب ما يرى. 
وتعكس المراقبة الدولية للأنتخابات اهتمام المجتمع الدولي بتحقيق انتخابات ديمقراطية ، التي تصب تركيزها على الحقوق المدنية والسياسية ، وتأتي في اطار المراقبة الدولية لحقوق الانسان وفقا للمبادئ الدولية المرعية في الانتخابات الديمقراطية الحقة وفي القوانين المحلية ، فهي تقر بان الشعب في أيّ دولة هو الذي يحدد في النهاية المصداقية والشرعية لأية عملية أنتخابية . 
ونري ان الرقابة الدولية، على الانتخابات تعتبر واحدة من أنجع الطرق لضمان نجاح وشفافية الانتخابات أيا كان نوعها (محلية أو رئاسية..) ومكان إجرائها (دولة غنية أو فقيرة )، ومما لا شك فيه أن موضوع الرقابة الدولية على الانتخابات الوطنية يحظى باهتمام عدد كبير من الخبراء المتخصصين في السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان باعتباره يسعى إلى تحقيق أرقى وأهم المبادئ ألا وهي مبدأ احترام حقوق الإنسان، ومادام الموضوع هنا يتمحور حول واحد من أهم أشخاص القانون الدولي ألا وهو الفرد وضمان حقه الانتخابي بتوفير الرقابة الدولية كطرف ُمحايد في العملية الانتخابية لضمان نزاهتها.
حيث يعد حق الشعوب في تقرير مصيرها بالاختيار الحر لنظام الحكم ومن يمثلهم من أهم الحقوق التي يدافع عنها المجتمع الدولي بكل أطيافه، وهو ما أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 في المادة 21 منه « لكل فرد الحق في المشاركة في حكم بلده، مباشرة أو عن طريق نواب مختارين اختيارا حرا، لكل فرد الحق في الوصول إلى الخدمة العامة في بلده على قدم المساواة مع الآخرين، إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكم، ويعبر عن هذه الإرادة في انتخابات دورية و صادقة تجرى بالاقتراع العام على قدم المساواة بين الناخبين بالتصويت السري أو بإجراءات تصويت حر معادلة
له».
مؤدي ذلك أن الأداة الفعالة لحماية الحقوق السياسية للأفراد هي إجراء انتخابات دورية والاختيار الحر والنزيه لنظام الحكم والحكام، 
وهو ما دفع الأمم المتحدة للجوء إلى وسيلة الرقابة الدولية على الانتخابات في دول العالم لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، كما قد ُتسند عملية مراقبة الانتخابات إلى منظمة غير حكومية لتتضافر الجهود تحقيقا لمجموعة من المبادئ لعل أبرزها وأهمها هو مبدأ احترام حقوق الإنسان بالإضافة إلى تعزيز احترام الإرادة السياسية.
وأصبحت المراقبة الدولية تحظى بموافقة شريحة كبيرة من دول العالم ، وتؤدي دورا حيويا في مضمار توفير تقييم دقيق ومتجرد عن طبيعة العملية الانتخابية . 
وتصب المراقبة الدولية للأنتخابات في مصلحة شعب أي دولة تشهد انتخابات ، وفي مصلحة المجتمع الدولي .
 
السؤال الهام الذي يطرح نفسه هنا هل الرقابة الدولية على الانتخابات تنتقص من السيادة الوطنية ؟
تجدر الإشارة إنه لا تزال الرقابة الدولية على الانتخابات الوطنية تعاني من تأرجح في قبولها من لدن دول وحكومات عديدة في العالم، بين معارض لها بصورة مبدئية، وبين متحفظ على منهجها وأساليب اختيار فريق الملاحظين الدوليين، بالرغم مما تعود به هذه الأخير من فوائد قانونية (تأكيد شرعية السلطة الحاكمة ودولة القانون) والأخرى سياسية ( مبدأ الحكم الراشد، وديمقراطية السلطة).
ونري أن الرقابة الدولية علي الانتخابات لا تنتقص من السيادة الوطنية، وتعتبر الرقابة الدولية من أدبيات السياسة الدولية وذلك لترسيخ أنظمة الحكم الديمقراطي، وقيم النزاهة والحوكمة . وتأخذ به كثير من الديموقراطيات المتعددة في أوروبا وأمريكا وآسيا، وإفريقيا ويستطيع أي باحث مدقق أن يتأكد من أن كثيرًا من المصريين شاركوا في لجان مراقبة دولية على الانتخابات في دول أخرى كثيرة.، فهي رقابة وليست إشراف وشتان الفرق بينهما.
لا يضير أحد أن يرى العالم تجربتنا الديمقراطية ويلمسها عن قرب؟، فالمصريون لا يخشوا شئ فالرقابة فيها تعزيزًا وتأكيدا لمصداقيتها وشرعيتها أمام المجتمع الدولي.
وتجري الرقابة الدولية على الانتخابات وفق مدونة قواعد السلوك الخاصة بالمراقبين الدوليين للأنتخابات. وهذه الضوابط من شأنها منع أي جهة بالتدخل في السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال وأن دورها مقصور فقط على مراقبة مجريات العملية الانتخابية منذ مراحلها الأولية إلى إعلان نتيجتها.. مراقبة دون تدخل.. وهذه المراقبة تشكل في حد ذاتها حافزا لتوفير قدر مناسب من الشفافية ومن هذه الضوابط. 
* لا يحق لأي كان ان ينضم إلى بعثة مراقبين دوليين للأنتخابات إلا إذا كان لا خشية عليه من ان تتضارب مصالحه السياسية والاقتصادية أو مصالحه الأخرى ، مع مصلحة مراقبة الانتخابات بدقة وتجرد.
* لابد من ان يفي المراقبون مراعاة القانون والمعايير الدولية ، يحظر على البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات قبول أموال أو دعم للبنية الاساسية من أي حكومة تخضع انتخاباتها للمراقبة ، نظرا إلي التضارب الحاد في المصالح الممكن ان ينجم عنه فقدان الثقة بنزاهة استنتاجات بعثة المراقبة . يقتضي من هذه البعثات ان تعرب عن استعدادها للكشف عن المصادر التي تزودها بالتمويل . 
* كما يتعين على البعثات ان تصرح علانية عن وجودها في الدولة ، ذاكرة ولاية البعثة ، وتركيبتها ، ومدتها ، وان ترفع تقارير دورية حسبما هو مسموح ، كما بوسعها ان ترفع التقارير إلى المنظمات الحكومية الدولية او المنظمات الدولية غير الحكومية التي تنتمي اليها البعثة.
* لابد من ان تجري المراقبة الدولية للأنتخابات على قاعدة احترام سيادة الدولة التي تشهد انتخابات ، وعلى قاعدة مراعاة الحقوق العائدة إلي شعب الدولة المضيفة . 
* يتعين على البعثات الدولية ان تتقيد بقوانين البلد المضيف ، وقوانين سلطاته الوطنية ، بما فيها الهيئات الانتخابية ، وان تتصرف على نحو لا يتنافى مع مبدأ احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية وتدعيمها وفقاً الأعلان العالمي لحقوق الانسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمواثيق الدولية الاخرى .
كما يتعين على البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات أن تسعى فعلياً إلى التعاون مع السلطات الانتخابية في البلد المضيف ، وإلا تعيق مجرى الانتخابات. 
* ولابد إن تتعهد المنظمات الحكومية الدولية ، والمنظمات الدولية غير الحكومية التي تريد الإشراف على الانتخابات الرئاسية بمدونة قواعد السلوك  الخاصة بالمراقبين الدوليين للأنتخابات .
وبناء عليه فإنني أناشد أبناء الشعب المصري الذين لهم الحق في التصويت إبداء رأيهم في صناديق الاقتراع لاختيار المرشح الرئاسي الذي يرغبون في التصويت له، لتعبر الانتخابات عن إرادة المصريين الحرة وتطلعاتهم وآمالهم، فهذا حق وواجب وطني والتزام دستوري لا ينبغي للمواطن أن يتنازل عنه، وحتى تجرى العملية الانتخابية بمشاركة واسعة في مشهد ديمقراطي يليق بالدولة المصرية ومكانتها أمام العالم.